على رغم أنّ «الثنائي الشيعي» المتمسّك بفرض رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية على اللبنانيين وجميع المسيحيين، يتّهم عبر قيادييه وبالتسويق الإعلامي، الكتل المسيحية، بتكوين «حلف مواجه» له، إلّا أنّ هذه الكتل، أي «التيار الوطني الحرّ» وحزبي «القوات اللبنانية» و»الكتائب اللبنانية» مع نواب آخرين، لا تشكّل حلفاً في وجه «الشيعة»، بل تقاطعت في ما بينها رئاسياً انطلاقاً من الواقع السياسي – النيابي، الذي يقتضي التوافق للوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا ما تدعو إليه بكركي وعواصم القرار أيضاً.
هذا التقاطع – التوافق كان يُمكن ألا يقتصر على المعارضة و»التيار» وأن يشمل كتلاً نيابية أخرى ومن بينها كتلتا «حزب الله» وحركة «أمل»، لو أنّ «الثنائي الشيعي» أراد التوافق. لكن عملياً وبعد المسار الذي اتخذه الاستحقاق الرئاسي وواقع الشغور الذي تخطّى السبعة أشهر، ثبت أنّ الفريق الوحيد الذي رفض الرجوع عن خياره الرئاسي ولا يزال «يمانع» التوافق هو فريق «الممانعة». وبالتالي إنّ تهمة «المواجهة مردودة ومثبتة عملياً على «الثنائي الشيعي»، بحسب «المعارضة».
وتشرح مصادر معارضة، أنّ الفريق الداعم لفرنجية لو اقتنع بأنّه غير قادر على إيصال مرشحه، وتخلّى عن منطق فرضه على اللبنانيين بقوة الغلبة وبمعادلة الفراغ المفتوح حتى انتخابه، لكان هناك إمكانية للتوافق ليس فقط مع «التيار» بل مع أكثر من مكوّن. ولو أنّ «الثنائي الشيعي» اقتنع باستحالة وصول مرشحه، لكان جميع النواب «نزلوا» إلى البرلمان وبدأ التحاور داخل المجلس على أسماء المرشحين الجديين الذين لا يتخطّى عددهم الأربعة. وهذا بعد أن تكون نضجت «اللقاءات الثنائية» السابقة للجلسة، كما حاول رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط أن يقوم به.
إلّا أنّ «الثنائي الشيعي» هو من أجهض مبادرة جنبلاط ومبادرات أخرى وأغلق أبواب المجلس وظلّ متمسكاً بمرشحه رافضاً التوافق على اسم آخر. في المقابل، سارت أحزاب المعارضة، وفي مقدّمها «القوات»، المتهمة من «الثنائي» بترشيحات مواجهة، بالأسماء التوافقية التي طرحها جنبلاط، من قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى النائب السابق صلاح حنين وصولاً إلى الوزير السابق جهاد أزعور. وبالتالي، لو أنّ «الثنائي الشيعي» أبدى الاستعداد للتوافق الذي افتتحته إحدى الكتل لكان أنجز الاستحقاق الرئاسي، ولما كان حصل هذا التقاطع مع «التيار» فقط، بل مع معظم الكتل النيابية.
هذا التقاطع أصبح «أمراً واقعاً» بفعل ميزان القوى رئاسياً، لكنّ التسليم به اقتصر على المعارضة من جهة و»التيار» من جهة ثانية ولم يقتنع «الثنائي الشيعي» به بعد. فرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل توصّل إلى اقتناع بأنّه ليس قادراً على أن يترشح أو يوصل أحداً من التكتل إلى الرئاسة بحسب ميزان القوى، وفي الوقت نفسه يرفض وصول فرنجية. كذلك المعارضة لا يمكنها أن توصل رئيساً من صفوفها وترفض فرنجية، فحصل التقاطع بين الطرفين. بينما يجب، بحسب المعارضة، على كلّ المكونات النيابية أن تلتقي على هذه المساحة، لأنّ هذا هو ميزان القوى النيابي والوطني والسياسي والمسيحي، الذي لا يسمح بغلبة أي فريق ويفرض الذهاب إلى مساحة توافقية، إلّا أنّ «الممانعة» تريد تحقيق «مشروع غلبة». وبحسب المعارضة، وتحديداً «القوات»، هذا هو حجم التقاطع مع «التيار»، وهو لا يعني التحالف، فلكلّ فريق منطلقاته وخلفياته ووضعيته السياسية. وإنّه تقاطع على إنجاز الاستحقاق الرئاسي فقط انطلاقاً من اقتناع بأن لا فريق يمكنه أن يوصل مرشحه. ولأنّ هذا التقاطع لا يعني تحالفاً، فهو لا يتأثّر بأي مواقف أو خطوات سياسية لأحد الفرقين. لذلك، لم تشكّل زيارة رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون لدمشق ولا حديث باسيل الأخير عن «المقاومة» من جبيل استفزازاً للمعارضة. فهذا التقاطع على اسم أزعور لا يلغي الخلاف الاستراتيجي بين الفريقين، وتبقى العلاقة بين الكتل المسيحية، وتحديداً بين «القوات» و»التيار» محصورة بحجم هذا التقاطع وحدود إنهاء الشغور الرئاسي. ولقد أثبت هذا التقاطع ضمن الحدود المرسومة له، نجاحه حتى الآن، أقلّه لجهة فرض فتح أبواب مجلس النواب إضافةً إلى إسقاط حجة «العقدة المارونية» وعدم توافق المسيحيين على مرشح، وفرض معادلة جديدة، بحيث تحوّل الواقع رئاسياً، من احتساب المعارضة كـ»بوانتاج» ضمني لتعطيل وصول فرنجية إلى احتساب المعارضة الآن كـ»بوانتاج النصف زائداً واحداً لأزعور»، فيما «الممانعة» باتت تجري «بوانتاج التعطيل».
ويدّل هذا التقاطع معطوفاً على «تقاطعات» سابقة بين «القوات» و»التيار» على ملفات عدة يعتبر المسيحيون أنّها «وجودية»، إلى نجاح التقاطعات غير المباشرة، على عكس التحالف الذي لم يعمّر بعد «تفاهم معراب»، وعلى عكس اللجان من نيابية وغيرها التي شكّلتها بكركي لتوحيد الموقف المسيحي حيال ملفات وطنية عدة، ولم تحقّق أي نتيجة. فقبل التقاطع رئاسياً، وعلى رغم الخلاف السياسي الحاد، تمكّن «التيار» و»القوات» عبر التواصل من خلال قنوات نيابية أو من دون تواصل، التقاطع لإسقاط قوانين ومشاريع وأهداف تشكّل خطراً على المسيحيين بحسب الجهتين، من إسقاط «مؤامرة» قانون انتخاب نيابي جديد ومنع البحث فيه في اللجان النيابية، إلى منع إقرار قانون العفو و»فرط» عقد جلسات تشريعية، وصولاً إلى رفض فرض رئيس ماروني على الموارنة والمسيحيين.