كان صباح أحد الانتخابات النيابية في فرنسا، وزميلي فريديريك الطبيب الباريسي يتناول الفطور معنا في المبنى الجامعي ويشرب قهوته على عجل، على غير عادته. ولمّا سألناه السبب قال إنّه ذاهب لممارسة قناعاته الوطنيّة اقتراعاً. وأنا الفخور أنّني من وطن الأرز، وطن التلاقي والحوار والانفتاح، وبطريقة عفويّة، سألت صديقي على مسمع زملائنا: فريديريك لِمَنْ ستقترع اليوم؟
ويا لهول ما اقترفت وما ارتكبت. إستشاط الفرنسي غضباً واتّهمني أنّني آتٍ من بلاد الجَهلِ وقلّة الثقافة وعدم الإلمام بالأصول. فبالنسبة لتقاليدهم، أنْ تسأل أحدهم لمن ستقترع فهو كأنك تتدخّل في أسراره لا بل في حميميّاته. ومن يومها، ما عادت اصطلحت العلاقة بيني وبين فريديريك، ومن يومها ما عدت سألت أحداً لمن ستقترع، لا بالبلديّة ولا بالاختياريّة لا بالنيابيّة ولا بالرئاسيّة.
مناسبة الحديث، هي إصرار فريق «الممانعة» على معرفة مَن وكيف ولماذا اختارت المعارضة مرشحها، وما هو برنامجه، وكيف تقاطعت عليه، وكم صوتاً ستمنحه، وإذا كان هو المرشّح الجدّي أم أنّ المعارضة تخفي اسماً غيره للمرحلة التالية، ويصرّ فريق «الممانعة» أنْ تخبره المعارضة بكل شيء مسبقاً ليرى إذا كان «مْنِفتح» البرلمان أم نتركه مقفلاً. واللذيذ الجميل عند فريق «الممانعة»، إعتباره أيّ مرشّح آخر، بمثابة مرشّح تحدّ أو متآمر لإسقاط مرشّحه، وكأنّما المطلوب من المعارضة اختيار شخص يوصل مرشّح «الممانعة» إلى بعبدا!
نعم، إلى هذا الحدّ فَقَدَ المحور أعصابه وفَقَدَ كلّ حجّة منطقية للمنازلة الرئاسيّة. ولكن أخطر ما يتداوله فريق «الممانعة» في العلن وعلى صفحات إعلامه هو القول: إنّ عدم انتخاب مرشّح «الممانعة» هو عزلٌ للطائفة الشيعيّة الكريمة.
أهل يحقّ للمعارضة حينها أنْ تعتبر، أنّ انتخاب مرشح «الممانعة» يعني عزل أكثر من ثلاثة أرباع الشعب اللبناني، ويعني عزل لبنان عن محيطه العربي والخليجي والدولي؟
بالله عليكم لا تفقدوا التوازن والصواب والمنطق، وانزلوا عن الشجرة لنَبنيَ سويّاً وطناً مستقراً مزدهراً من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، وطناً يكون، وكما كان، قبلة الأوطان، وأرض العيش معاً بأخوّةٍ ومساواةٍ وعدالةٍ وسلام، فالدين لله والوطن للجميع.
(*) عضو «الجبهة السياديّة من أجل لبنان»