Site icon IMLebanon

أي رئاسة وجمهورية في خريف لبنان

 

 

 

محنة لبنان أكبر من الذين صنعوها واستثمروها في خدمة مصالح وسياسات ضيقة أو واسعة. وليس تبسيط الأمور المعقدة في البلد سوى نوع من تعلق الغريق بحبال الهواء. فمن يحلم، عن حق، ببداية جديدة بعد خريف العهد الحالي يعرف أننا في كابوس الوصول الى خريف لبنان. ومن يشكو من سياسة “الإضعاف” التي تعرض لها رؤساء الجمهورية بعد الطائف يتجاهل ما أصاب السلطة الشرعية كلها من “هركلة” قادت إليها ثلاثة أسباب: تدني مستوى المسؤولين وارتفاع حجم ثرواتهم، الرضوخ للسلطة الفعلية المتحكمة بالقوة، والعجز عن تقديم أبسط الخدمات للناس بعد السطو على أموالهم.

 

ولا فرق، سواء كنا في عهد قوي وما سميت سلطة للأقوياء في الطوائف أو في مناصب تأتي بضربة حظ. فلا شيء اسمه عهد قوي في ظل حزب مسلح يملك فائض القوة ويمسك بمفاصل السلطة ويقرر من خارجها. ولا أحد يستطيع الهرب من سؤال على طريق الإستحقاق الدستوري: ما هي دلالات الواقع الحالي حيث يختار “الثنائي الشيعي”رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية؟ وأي رهان هو القابل للتحقق، على افتراض أن ضغوط المجتمع الدولي والضرورات المحلية ستدفع مدمني التعطيل والشغور الرئاسي الى التخلي عن الإدمان وتسهيل الإنتخابات الرئاسية؟

 

الرهانات على الرئاسة متعددة بالطبع، ويمكن اختصارها بثلاثة: رهان فريق على مجرد ملء الفراغ، بحيث يكون إجراء إنتخابات رئاسية “إنجازاً” في حد ذاته. رهان فريق ثانٍ على فرصة إضافية لاستكمال الإمساك بمفاصل السلطة وإيصال “رجله”الى قصر بعبدا، بحيث يكون رئيس الدولة الفاشلة في مرحلة إنتقالية الى لبنان آخر مختلف حتى عن مفهوم هذا الرئيس نفسه. ورهان فريق ثالث على فرصة جديدة في عز الأزمات العميقة لإنتخاب رئيس يستعيد الجمهورية أو أقله يقوم بدور الحكم المنفتح على الجميع من موقع فوق الأحزاب.

 

ومن السهل وضع مواصفات مثالية للرئيس المطلوب. لكن المواصفات تحتاج في النهاية الى تجسيدها بأشخاص يصعب أن يحملوها كلها. فالميزان على الأرض، لا في الكتب. و”الكمال عدو الجيد” كما يقول المثل الأميركي. واللافت في هذه المرحلة هو طغيان الأحاديث عن الرئيس الذي يريده “حزب الله” على الأحاديث عن الرئيس الذي يحتاج إليه لبنان. والمفارقة أن من يكبر البخار في رأسه ويتصور أن شخصه هو لبنان يتكل على “حزب الله” الذي يعتبر نفسه أكبر من لبنان بعدما صار قوة إقليمية في لبنان وخارجه.

 

لا معنى للإنتخابات إن لم نتأمل في حال الرئاسة وحال الجمهورية. و”ليست محظوظة الشعوب التي تحتاج الى أبطال” كما يقول المسرحي الألماني الكبير برتولد بريشت.