IMLebanon

منازلة رئاسية في صدام مشروعين

 

كان ياسر عرفات يكرّر الكلام، بين المفاخرة والشكوى، على ما سماها «ديمقراطية غابة البنادق» بين المنظمات الفلسطينية في لبنان. اليوم يبدو لبنان أسير نوع من الديمقراطية المدارة بالقوة. فالوضع الطبيعي الذي هو التنافس الديمقراطي على الرئاسة يتم تصويره بأنه الوضع الخطير وغير الطبيعي. والمهمة التي يراد لها ان تصبح مستحيلة هي عودة الروح الى اللعبة الديمقراطية في البرلمان الذي يفتقد البرلمانية. وليس أخطر من تحويل التنافس الى منازلة خطيرة سوى الهرب من المنازلة التي صارت ممكنة بوحدة الموقف في مواجهة موقف مفروض. وهي، على الرغم من المخاطر، مرحلة متقدمة في العمل الوطني والسياسي.

ذلك ان المنازلة ليست بين المرشحين وما يمكن أن يقدمه كل منهما وما يحصل عليه من أصوات بل بين مشروعين متصادمين للقوى الداعمة للمرشحين: مشروع بناء الدولة الوطنية والإنقاذ الإقتصادي والعلاقات الجيدة مع الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين. ومشروع تعاظم «المقاومة الإسلامية» ضمن وحدة الساحات في محور المقاومة. والمشروعان يواجهان تحديات كبيرة. فلا بناء الدولة الوطنية يتم في معزل عن الواقع الذي وصلنا اليه، من جهة بالاخطاء والأنانيات وسوء القراءة في التحولات الداخلية والإقليمية والدولية، ومن جهة اخرى بالتخطيط المدعوم من قوة إقليمية لها مشروعها وإقتدارها في اللعب مع القوى الأخرى. ولا تعاظم «المقاومة الإسلامية» يكتمل في مجتمع طائفي وبالتصرف على أساس المقاومة «كيان مستقل» عن لبنان كأنه مجرد مساحة جغرافية، وكأن مشروع الدولة الوطنية واحد من «الأخطار» على هذه المقاومة.

وليس إعطاء المبارزة طابعاً طائفياً سوى وسيلة لجعلها دوراناً في الفراغ ومحطة على طريق الخروج الكامل من السياسة الى التهديد الأمني. أليس البارز على المسرح، وسط الأحاديث اليومية عن قوة المقاومة و»توازن الردع» مع العدو، هو أن «حزب الله» جعل أعمال المقاومة لتحرير مزارع شبعا موسمية منذ حرب العام 2006، في حين يمارس أكبر دور في السياسة المحلية ثم السياسة الإقليمية؟ وماذا عن الذهاب الى الجلسة الإنتخابية الرقم 12 مع الإصرار سلفاً على تعطيل النصاب في الدورة الإنتخابية الثانية؟

الواقع ان التحديات المتعددة امام لبنان يتقدمها تحدٍ مباشر مزدوج له تأثير على كل شيء. الوجه الاول من التحدي هو أن الوطن الصغير خسر الدور الاقتصادي والسياسي الذي كان له قبل الحرب، وصار رهينة الأزمات العميقة التي أوقعته فيها المافيا السياسية والمالية والميليشيوية الحاكمة. ولم يتقدم خطوة واحدة على طريق البحث العملي عن دور جديد يناسب قدراته ومؤهلات شعبه وحاجات المنطقة. والوجه الثاني من التحدي هو ان «حزب الله» يريد دوراً أكبر من إمكانات البلدان العربية، لا فقط امكاناته، ومن رغبة او قدرة تلك البلدان على التحمل، هو دور الساحة والجبهة الأمامية، لا فقط في الصراع مع اسرائيل بل ايضاً في الصراعات الإقليمية والدولية. ورئاسة الجمهورية مجرد أداة في هذا التحدي.

يقول المؤرخ الأميركي هوارد زن: «الإنشقاق أعلى أنواع الوطنية». لكن هذا خطير جداً في لبنان. وأخطر منه الدفع نحو الإنشقاق تحت عنوان الوطنية