على رغم تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد لقائه الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، أنّ «وجهات النظر متطابقة بأّن لا سبيل إلّا الحوار لإنجاز الاستحقاق الرّئاسي»، وبمعزل عن حقيقة الموقف الفرنسي، إلّا أنّ لودريان آثر عدم التطرُق إلى ذكر كلمة «حوار» خلال لقاءاته مع أفرقاء معارضين، نظراً إلى معرفته المسبقة بموقف المعارضة.
الترويج لدعم فرنسي لدعوة بري الحوارية على أن تليها جلسات مفتوحة لانتخاب رئيس، لا يُقلق المعارضة، التي لا تخشى لا من عقد حوار من دون مشاركتها ولا حتى من انتخاب رئيس من دون موافقتها، علماً أنّها لا ترى أنّ تخطّيها ممكن في هذه اللحظة السياسية، بما تمثّله نيابياً وشعبياً ورأي عام واسع.
إلى ذلك، «تتسلّح» المعارضة، بحسب مصادرها، بالدستور، فموقفها الرئاسي ليس موقفاً سياسياً، وهذا ما أبلغته إلى لودريان. وتقول مصادر مطّلعة على لقاء لودريان بفريق معارض، إنّ جلّ ما طرحه تركّز على سؤال: «أنّنا جميعاً يجب أن نفكر بالحلّ، أنتم تتمسّكون بوجهة نظركم والفريق الآخر يتمسّك بوجهة نظره، فماذا يمكننا أن نفعل؟»، فكانت الإجابة: «يمكنكم أن تتمسّكوا بالنصوص، وهذا ليس رأياً سياسياً».
موقف المعارضة من الحوار بعد زيارة لودريان لا يزال كما قبلها. فبالنسبة إلى المعارضة، أي جهة خارجية لا تقول إنّه سيُصار إلى دعوة القوى السياسية في لبنان إلى مؤتمر «سان كلو 2» على سبيل المثال، للبحث في الأزمة اللبنانية بكلّ تشعباتها، وتحديداً في موضوع السلاح، لكي تدرس ذلك. بل إنّ الحوار المطروح محصور بالانتخابات الرئاسية، وهذا ما ترفضه المعارضة.
المعارضة لن تسهّل لـ»الثنائي الشيعي» تكريس أعراف جديدة. وتؤكد مصادرها أنّها لا يُمكن أن تسمح بتكريس سابقة أن يشكّل الحوار مدخلاً للانتخابات الرئاسية ما سيتكرّر عند كلّ استحقاق رئاسي. وهذا ما لم يحصل سابقاً. إذ إنّ «اتفاق الدوحة» لم يجرِ التوصُل إليه، لإنجاز الانتخابات الرئاسية تحديداً، بل أتت الدعوة إلى حوار في العاصمة القطرية للخروج من أزمة استخدام «حزب الله» سلاحه في الداخل ولما وصلت إليه الأوضاع آنذاك ولإعادة انتظام الدولة وسيرها.
كذلك عام 2016 لم تُنجز الانتخابات الرئاسية نتيجة حوار جامع، بل من خلال حوارات ثنائية جانبية، وهذا ما تدعو إليه المعارضة الآن. فبحسب المعارضة، وفي مقدّمها «القوات اللبنانية»، لحظة تقبل بالحوار، تكون تلغي دور مجلس النواب ودور الناس في الانتخاب، ما يدفع اللبنانيين إلى الامتناع عن الانتخاب طالما أن لا جدوى من ميزان القوى النيابي.
هذه الأزمة الفعلية بالنسبة إلى المعارضة، وليست مسألة حوار فقط، خصوصاً أنّ أحداً لا يطرح الحوار من زاوية معالجة السلاح والتخلص من تداعياته على الأزمة.
الحوار ليس هدفه بناء الدولة، لذلك لا تخشى المعارضة من تخطّيها وعقده، فهذه المرحلة مختلفة عن المراحل السابقة، إذ على سبيل المثال عندما أسقط فريق 8 آذار حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2011، كان لا يزال هناك دولة واقتصاد وبلد. أمّا الآن، ففرضاً أنّ فريق 8 آذار تمكّن من عقد حوار وانتخاب رئيس، فـ»ماذا يمكنهم أن يفعلوا؟ في وقتٍ يتطلّب البلد استنهاضاً وتوافقاً والوصول إلى مساحة مشتركة، وليس قهراً والذهاب إلى خيارات مفروضة».
وتؤكد مصادر معارضة، رداً على ما يُبث أخيراً، من أنّ «حزب الله» تراجع عن ترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، من دون أن يعلن ذلك، أنّ العروض مهما كانت، فالانتخابات الرئاسية تحصل في المطابخ وعبر الحوارات والنقاشات والتداول والبحث، وفي البرلمان، وليس عن طريق الحوار.
لذلك، توجّه المعارضة رسالة إلى الداخل والخارج في الوقت نفسه، مفادها أنّ هناك طريقين للانتخابات الرئاسية لا ثالث لهما: إمّا على طريقة عام 1970 حين انتُخب الرئيس الراحل سليمان فرنجية، عبر خوض جلسة واحدة بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس، وإمّا من خلال إنضاج توافق من خلال نقاشات وطرح أسماء وتداول.
بالتوازي، لا يبدو أنّ المعارضة قلقة من «تبدُّل» الموقف السعودي. فالرياض من أكثر المتمسّكين بـ»اتفاق الطائف»، فيما أنّ أكبر تجاوز لهذا الاتفاق هو الحوار المطروح، فضلاً عن أنّ السعودية «متنبّهة» إلى أنّ «الشيعية السياسية» التي تدرك أنّ تعديل الدستور مسألة مستعصية تذهب إلى تعديلات بالممارسة السياسية من خلال تكريس أعراف جديدة. وعلى رغم الحوار السعودي – الإيراني، إلّا أنّ هذا الحوار ليس لتكريس غلبة مشروع على آخر في لبنان إنّما لتكريس وضعية توافقية. لذلك دعت السعودية من الأساس إلى رئيس من خارج الاصطفافات للوصول إلى مرحلة من التوافق الداخلي.
وبالتالي، إنّ إنجاز الانتخابات الرئاسية، بحسب جهات معارضة، رهن اقتناع «الثنائي الشيعي» بما اقتنع به الخارج، وتحديداً اللجنة الخماسية ومن ضمنها فرنسا، بأنّ أحداً لا يمكنه فرض رئيس على الآخر فهذا يعني البقاء في دوامة الأزمة، وأنّه يجب البحث عن مخرج لذلك. وبما أنّه يتعذّر عقد جلسات متتالية مشروطة بحوار، يتمثّل المخرج الرئاسي، بالاتجاه إلى إنضاج اسم رئاسي ثالث بما يتوافق مع شروط البلد، أي أن يمتلك هذا الرئيس القدرة على نقل لبنان إلى مرحلة جديدة وليس أن يكون انتخابه استمراراً لمرحلة الانهيار القائم.