لأنّ الإستحقاق الرئاسي في لبنان، أصبح شبيهاً بالأساطير الخرافية القديمة عند اليونان، راح المسيحيون يتساءلون: لماذا كلّما استحقّ انتخاب رئيس للجمهورية، ينبتُ العشبُ على مدخل المجلس النيابي، تتعرَّضُ الديمقراطية للإغتصاب، ويصبح الدستور خاضعاً لتنجيم المنجِّمين في ساحة النجمة…؟
فيما انتخاب رئيس للمجلس النيابي، يتمُّ بين غمضةِ عيـنٍ وانفتاحها، ويتمّ اختيار رئيس للحكومة إلزاميّاً في استشارات نيابية…؟
ويقول المسلمون في المقابل: لماذا عند كلّ استحقاق رئاسي، يتصارع القادة المسيحيون على جلدِ الـدبِّ الذهبي، قبل اصطياد الـدبّ، وتندلع حرب المواجهة الرئاسية، فتُرفَعُ فيها الصلبانُ المعقوفةُ، على غرار المصاحف التي رفعَها «معاوية» في حربه ضدّ الإمام علي بن أبي طالب…؟
لعلّ إطلالةَ الشغور الرئاسي تكشّفتْ منذ أنْ كان انتخاب مخايل الضاهر أو الفوضى… فكان اختيار الفوضى.
بلْ قُـلْ: منذ أنْ بدأ استهدافُ الرؤساء باغتيال رئيسين للجمهورية، وكأنّ شيئاً لم يكن، ويخشى مع: «كأنّ شيئاً لم يكن» أنْ ينتهي هذا الشغور باغتيال مارونية الجمهورية وسائر أخواتها.
قبل انتخاب الرئيس ميشال سليمان استمرّ الشغور الرئاسي في ظلّ التفكّك الماروني تسعةً وعشرين شهراً ويزيد، لو لم يكن الإنقاذ على يدِ «مارونية» الدوحة في قطـر.
وقبل انتخاب الرئيس ميشال عـون تفاقم شرُّ الشغور الرئاسي، إلى حدِّ السنتين ونصف السنة، فكان اتفاق «معراب» كورقةِ وردٍ فوق كأسٍ ملأى بالنبيذ الأحمر، فراحت العقول تنتشي برائحة الخمر لا برائحة الورد، وكان في ذلك اليوم خمـرٌ، وفي الغـدِ اللاّحق غـدرٌ وأمْـر.
هناك من يقول: إذا ما أجْمعَ القادةُ المسيحيون على مرشح رئاسي، يصبح المسلمون محرجين على تأييده، وكأنّ هناك مراهنةً على الإنقسام المسيحي الشائع: شيَعاً وأحزاباً تطغى فيه شهوةُ الذات، ويتداخل فيه الخاص والعام حتى يتلاشى العام في أغراض الخاص.
ويذهب بعضُ الخبثاء إلى التلميح: كيف تتخادع الأحزاب المارونية وتتّفق حول انتخاب المرشح الرئاسي: جهاد أزعور، ولا تتّفق وتوحّد صفوفها حول المرجعية المارونية في بكركي…؟
من هنا، اقترحتُ على غبطة البطريرك مرّةً واثنتين طرحاً، من شأنه أنْ يُحـرج القيادات المارونية في الإلتفاف حـول بكركي، ويحصّن مرجعيّتها، ويتخطّى الرتابة الكلاسيكية لمواجهة الشواغر والإستحقاقات الوطنية الداهمة، وكان غبطته في كلّ مـرة يوافق على الطروحات بإيجابية فائقة، حتى إنني استأخرتُ الموعدَ الذي حـدّده للتنفيذ بسبب توافقه مع زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان.
أما بعد، فقد كان لجدران بكركي آذان، وكانت الوشوشة على تعدّدها تحول دون التنفيذ، والأذن تعشق قبل العين أحياناً.
كلُّ نظام لا يستطيع أن يحقّـق التغيير إلاّ بالنخبة التي تكون في مستوى استراتيجية النظام، يقول المفكر عبد الرحمان الصلح: «أليسَ من العيب أن تُختصرَ الطائفة المارونية بأقطابٍ أربعة بل بأربعين(1)…؟»
وكلّ حدثٍ لا تصحّ مواجهتُه إلاّ بموقف في مستواه يقول الشاعر:
مَنْ ليسَ يحميـهِ الحسامُ فليسَ تحميـهِ الصلاةُ
خُلِقَ الردى للضعفِ لا تحمي الضعيفَ تضرُّعاتُ
فإذا تكلَّمتِ المدافعُ فالشرائعُ صامتاتُ
1 – عبد الرحمان الصلح: جريدة النهار : 14/8/2016.