Site icon IMLebanon

الرئاسة بين مبادرة بايدن.. وتحذير لودريان

 

 

اللبنانيون الذين يتعلقون بحبال الهواء القادم من الخارج، قلبوا صفحة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، ونقلوا رهاناتهم الساذجة إلى مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي حرص على إعلانها بنفسه، والرامية إلى وقف الحرب في غزة، بما يؤمّن وقف إطلاق النار، وعودة الرهائن، وإنسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، وعودة المستوطنين إلى شمال إسرائيل.

لا شك أن وقف الحرب في غزة يفتح أبواب الحلول الديبلوماسية لمشاكل المنطقة، بما يُمهد الطريق للتسويات المنتظرة في الإقليم، ولكن ذلك لا يعني، ولا بأي شكل من الأشكال، أن الأزمة اللبنانية ستكون في مقدمة جدول المفاوضات الحافل، بشتى القضايا الساخنة، والتي تستحوذ على إهتمامات واشنطن والعواصم الإقليمية، وفي مقدمتها طبعاً «حل الدولتين»، ومعالجة تداعيات الحرب المدمّرة في القطاع.

من نافل القول تكرار ما سبق أن أعلنه الأشقاء والأصدقاء، ومؤخرًا سفراء الخماسية في لبنان، ومفاده أن التواصل والتشاور بين اللبنانيين، خطوة أساسية لإعادة تنشيط قنوات الإنتخابات الرئاسية، وإخراج هذا الإستحقاق، الوطني بإمتياز، من الجمود الراهن، الذي فرضته القطيعة بين القيادات السياسية من جهة، وتمسُّك كل طرف بمواقفه الرافضة لمواقف الآخر من جهة أخرى، مما أوصل كل المحاولات الداخلية، والمساعي الخارجية إلى الطريق المسدود.

ولم يعد خافياً أن إستمرار تعطيل الإنتخابات الرئاسية، من شأنه أن يعطل معالجة حزمة الأزمات التي يتخبط فيها البلد المنكوب، وفي مقدمتها الإنهيار المالي والاقتصادي، وغياب الرؤية الرسمية الواضحة لوضع أسس خطة التعافي والإنقاذ الإقتصادي، وضمان عودة الودائع، إنتهاءً بمشكلة النزوح السوري ومضاعفاتها الوطنية  والإجتماعية المختلفة، والتي يتحمل لبنان القسط الأكبر من أعبائها المادية والديموغرافية.

واستمرار هذا العجز السياسي المتمادي في إنجاز الإستحقاق الرئاسي، من شأنه أن يُبقي لبنان في عزلته الحالية، حيث إبتعد الأشقاء العرب عن متابعة الوضع اللبناني المتردي، إقتصادياً وإجتماعياً، على خلاف ما كانوا عليه سابقاً، مكتفين بما يبذله الجانب العربي في الخماسية. كما أن صندوق النقد الدولي أبلغ من يعنيهم الأمر، من مسؤولين وسياسيين، بإستحالة التوصل إلى الإتفاق المنشود في ظل هذه الشرذمة في القرار الرسمي، والفشل في وضع مخطط إنقاذي شامل، وعدم وجود سلطة دستورية كاملة الصلاحيات. فضلاً عن بقاء مشكلة النزوح السوري على تفاقمها، بسبب إنعدام القرار الرسمي في إتخاذ الخطوات الضرورية للحد من مضاعفاتها، بما في ذلك القدرة على الخوض بمفاوضات جدّية مع الجانب السوري، ولو إقتضى الأمر طلب وساطة أشقاء عرب، أعادوا العلاقات الديبلوماسية والسياسية مع دمشق.

من المعيب على الأطراف اللبنانية أن ترمي مسؤولية خلافاتها على دول الخماسية، وسفرائها في لبنان، والتهرب من مواجهة هذا الواقع الإنقسامي الداخلي، والذي يؤدي إلى مزيد من التعقيدات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، في وقت يحاول أهل الحل والربط دفن رؤوسهم في تراب العجز عن التوصل إلى توافقات الحد الأدنى، على الأقل، للإنتقال بالبلد من دائرة التأزم إلى آفاق الحلول المناسبة.

هذا النمط من التراشق بإتهامات التعطيل تارة، بإلصاق ألقاب العمالة والخيانة تارات أخرى، لن يُفيد في عودة الحياة السياسية إلى نشاطها الطبيعي، في نظام ديموقراطي، يفترض وجود التعددية الحزبية والسياسية، دون أن يعني ذلك بالضرورة، أن تتحول الإختلافات السياسية إلى عداوة شخصية، وتنتعش على الإحتقان الطائفي أو المناطقي.

إن بقاء الوضع السياسي في البلد في دوامة التأزم والفشل الحالي، يكشف حالة الإفلاس المخيف الذي يسيطر على هذه المنظومة السياسية، التي أكدت تجارب العقدين الأخيرين عدم قدرتها على تجاوز خلافاتها، والبحث عن حلول مناسبة لمشاكل البلد، ولو على طريقة الخطوة خطوة، ووفق مراحل مدروسة، يتم تنفيذها حسب روزنامة زمنية محددة، يتحمل كل طرف فيها مسؤوليته الوطنية، في إنقاذ البلاد والعباد من مهاوي جهنم التي أوصلوا البلد لها.

لقد عان العديد من الدول الأخرى من حروب وأزمات، ولكنها إستطاعت العودة إلى حياتها الطبيعية، وفق توافقات وطنية صلبة، أعادت التوازن إلى المعادلة الداخلية، وعالجت مواقع التأزم، وزرعت الثقة من جديد بين مكونات الوطن الواحد، والمجتمع الواحد.

فماذا ينتظر ساسة زمن الأزمات لتحمل مسؤولياتهم الوطنية، وولوج عالم الحلول الخلاّقة، قبل أن ينهار سقف الوطن فوق رؤوس الجميع، كما حذرنا لودريان من خطر سقوط الدولة في مستنقعات الأزمات المزمنة والمستعصية؟