يشهد مجلس النواب بقاعاته واروقته حركة ناشطة، بعد فترة غير قصيرة من الجمود فرضتها الحرب “الاسرائيلية” على لبنان، التي امتدت من الجنوب الى البقاع، مرورا بالضاحية الجنوبية وبيروت، ومناطق متفرقة من الجبل والشمال .
الحركة النيابية عادت الى المجلس تدريجيا، منذ دعوة الرئيس بري الى انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في ٩ كانون الثاني المقبل ، ونشطت في الايام القليلة الاخيرة على وقع زحمة المرشحين، التي اخذت تطفو على السطح، مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي تحت قبة البرلمان.
وبموازاة هذه الحركة يشهد المجلس تحضيرات متواصلة على الصعيد الاداري واللوجستي لجلسة الانتخاب المقبلة ، والتي صار معلوما انها ستعقد في حضور وتحت نظر حشد ديبلوماسي عربي واجنبي .
هذا المشهد العام في ساحة النجمة، ينبىء بان تكون جلسة ٩ كانون الثاني جلسة انتخاب الرئيس . وما يعزز مثل هذا التوقع والاستنتاج تصريحات بري المتكررة والمتفائلة ، وآخرها قوله امس ” ان الجو منيح ، وان شاء الله هناك رئيس في جلسة ٩ كانون الثاني”.
لكن رغم التفاؤل المتصاعد من عين التينة ، هناك من يتحدث بحذر عن مصير الجلسة المذكورة ، وهناك ايضا من اخذ يلمح بصراحة عن رغبة بتأجيلها لانضاج الطبخة، مثلما يصرح بعض اعضاء تكتل “القوات اللبنانية” النيابي .
ماذا حصل في الايام الماضية ؟ وما هي نتائج المشاورات المكثفة لانجاح جلسة ٩ كانون الثاني وانتخاب رئيس الجمهورية ؟ يقول مصدر نيابي بارز ان اللقاء الاخير بين بري وسفراء دول “اللجنة الخماسية” كان ايجابيا ومشجعا ، وانهم اجمعوا على ترحيبهم وارتياحهم لمبادرته ودعوته الى جلسة الانتخاب ، لكنهم احجموا كما في لقاءات سابقة، عن التطرق الى الاسماء المرشحة ، واكتفوا بتكرار المواصفات التي يرون انه يجب ان تتوافر عند الرئيس الجديد .
ويلاحظ المصدر ان السفراء الخمسة في لقاءاتهم وتحركاتهم يشجعون على التوافق والاتفاق على رئيس جامع، لكنهم يحرصون في الوقت نفسه على ” النأي بالنفس” عن الدخول او التدخل في تفاصيل العمل، على الوصول الى تسوية رئاسية تؤدي الى نجاح جلسة ٩ كانون الثاني، او في تزكية هذا الاسم او ذاك، لكن بعضهم لا سيما الجانبين الاميركي والسعودي لا يخفيان ، بل استمزجا رأي الكتل والنواب بانتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيسا للجمهورية ، وابديا تعاطفا واضحا وانحيازا لفكرة ايصاله الى بعبدا .
وفي ضوء هذا الاجتماع المهم في عين التينة، واصل بري اتصالاته ومشاوراته للتوافق على رئيس جامع لا يشكل تحديا لاحد ، آخذا بعين الاعتبار التطورات الاخيرة في المنطقة، التي تفرض اكثر من اي وقت مضى، ضرورة تصاعد الدخان الابيض من جلسة ٩ كانون الثاني، تمهيدا لتشكيل حكومة جديدة خلال فترة قصيرة لا تزيد على اسابيع قليلة، في اطار اكتمال المؤسسات الدستورية والانصراف الى ورشة النهوض وتحصين لبنان .
وفي غمرة الحراك الناشط تبرز عملية جوجلة وغربلة اسماء المرشحين، التي ما زالت تواجه صعوبا وعقبات مرتبطة بتعقيدات داخلية وخارجية، الامر الذي يجعل مسار الامور ضبابيا قبل ثلاثة اسابيع ويومين من موعد جلسة الانتخاب .
ويقول مصدر نيابي وسطي ان المشاورات لم تتوصل حتى الآن الى بلورة ملامح التوافق او التسوية الرئاسية، وان بعض الاسماء ترتفع اسهمها دون غيرها بنسب متقاربة، وان كل مرشح من بين هؤلاء المرشحين يحظى برصيد نيابي يتقاطع مع رصيد مرشح آخر او اثنين، وبالتالي لم نصل بعد إلى رئيس توافقي او جامع، الامر الذي يستحضر خطر عدم الحفاظ على نصاب جلسة ٩ كانون الثاني في الدورة الثانية من هذا الفريق او ذاك ، مع العلم ان الرئيس بري مصمم على عقد دورات متتالية الى حين انتخاب الرئيس في الجلسة المذكورة، وانه حمّل كل كتلة نيابية المسؤولية في هذا المضمار .
وعن حظوظ المرشحين، يقول المصدر من السابق لاوانه الحديث عن ترجيح اسم محدد او حتى اسمين او ثلاثة، لافتا الى ان ما يقال وينشر يندرج في اطار التكهنات والتوقعات والتسريبات، لان هناك “فيتوات” متبادلة على هذا الاسم او ذاك .
ويلخص احد نواب “اللقاء الديموقراطي” موقف كتلته بالتاكيد على انتخاب جامع لا يشكل تحديا لاحد، وعلى عدم عزل فريق او مكون من المكونات اللبنانية، تحت اي ظرف من الظروف، آملا في التوصل الى اتفاق على مرشح لانتخابه في ٩ كانون الثاني. ويعتقد ان الفرصة ما زالت متاحة لتجاوز الصعوبات والعقبات، وان الوقت متيسر لانتخاب الرئيس في الجلسة المقررة، داعيا الجميع الى تقديم تنازلات متبادلة لمصلحة البلد بعيدا عن الاستئثار او التحدي او المكابرة .
ويقول احد نواب حزب “القوات” ان لا شيء جديدا حتى الآن ، ملمحا الى انه اذا لم يحصل امر ايجابي قريبا قبل الدخول في عطلة الاعياد، يصح القول انه لن ينتخب الرئيس في ٩ كانون الثاني، بانتظار ربما جولة جديدة من المشاورات اعتبارا من ٢ كانون الثاني، وما يمكن ان يستجد خلالها . ويقول المصدر ان “القوات” منفتحة على التواصل مع الجميع ، وقنوات التواصل قائمة مع الرئيس بري. ويؤكد ان المعارضة متفقة على انتخاب رئيس يملك مواصفات تحاكي المعطيات الناشئة عن المستجدات في لبنان والمنطقة ، مشيرا الى حقها في طرح وايصال رئيس يعكس توجهاتها هذه.
ووفقا للمعلومات المتوافرة واجواء من تحدثوا الى جعجع او نواب في تكتله، ان “القوات اللبنانية” باتت تنظر الى الاستحقاق الرئاسي بعد العدوان “الاسرائيلي” وسقوط النظام السوري بطريقة تختلف عن المرحلة السابق، فهي جادة وتركز على العمل من اجل انتخاب جعجع او من يمثله من المعارضة، وبالتالي اصبح قائد الجيش عندها في مرتبة “الفئة ب” وليس في “الفئة أ ” كما كان في وقت او مرحلة سابقة .
ولم يبد الثنائي الشيعي موقفا مؤيدا او معارضا، وينطلق وحلفاءه في تعاطيه مع ترشيح قائد الجيش من ان انتخابه يحتاج الى تعديل دستوري باكثرية الثلثين، عدا انه يفترض ان يحظى باجماع او شبه اجماع لا يبدو متيسرا بمعارضة وتحفظ الطرفين المسيحيين الاساسيين “التيار الوطني الحر” و “القوات اللبنانية”.