IMLebanon

رئاسة الجمهورية بين جنوب الليطاني وشماله

 

 

يعكف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على التأكيد على التنفيذ الكامل للقرار 1701 وعلى أهمية التقيد بالإجراءات المتّخذة لوقف إطلاق النار وضمان استمراريتها وتعزيز قدرات الجيش . هذا ما أعلنه ميقاتي بالأمس خلال زيارة رئيس وزراء اليونان «كيرياكوس ميتسوتاكيس» الى لبنان ، مكرراً ما أعلنه في روما  خلال مشاركته في المنتدى السياسي السنوي الذي عقدته رئيسة الوزراء الإيطالية «جورجيا ميلوني»، حيث أكّد «أن التزامنا الثابت بالتنفيذ الكامل للقرار 1701 والتنفيذ الشامل لتفاهم وقف إطلاق النار ووقف الإنتهاكات الإسرائيلية أمر بالغ الأهمية لحماية سيادة لبنان وسلامة أراضيه». إصرار ميقاتي أمام المحافل الدولية على تنفيذ قرار مجلس الأمن سبقة إصرار الأمين لعام لحزب لله الشيخ نعيم قاسم في أكثر من مناسبة  ومنها  في كلمته الأخيرة :»  إن برنامج حزب لله في المرحلة المقبلة هو تنفيذ الإتفاق جنوب نهر الليطاني وإعادة الإعمار، …. وإنَ اتّفاق وقف النار هو لوقف العدوان وليس إنهاء المقاومة ويرتبط بجنوب نهر الليطاني حصراً».

تجاهل قاسم لحقيقة ما نص عليه إتفاق وقف إطلاق النار لم يلقَ حتى الآن أي ردّ من قبل رئاسة الحكومة أو الرئيس نبيه بري الذي كان عرّابه دون منازع، وهو الذي واكب مخاض ولادته منذ اندلاع حرب الإسناد التي أطلقها حزب لله في تشرين الأول 2023 حتى صدور الإتّفاق. ويضيف قاسم إلى مواقفه:» أنّ حزب لله خسر في المرحلة الحالية طريق الإمداد القادم عبر سوريا وهذا تفصيل صغير قد يتبدل مع الزمن». مواقف قاسم تستدعي أكثر من تساؤل، ليس من قِبل اللبنانيين بل من قِبل المراقبين الدوليين، حول جدية قدرة الدولة اللبنانية على إلزام حزب لله بالاتفاق.  فهل ما جرى في سوريا بالنسبة للحزب تفصيل صغير حقاً؟ وأي تبديل يراهن عليه قاسم في ظل تأكيد زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، لـتلفزيون سوريا «إن ما حصل في سوريا يعد انتصاراً على المشروع الإيراني الخطير على المنطقة ككل»؟ وفي أي زمن وأية عناوين يمكن أن يرفعها حزب لله في المرحلة المقبلة مع إعلان الجولاني أنّ «سوريا ليست بصدد الخوض في صراع مع إسرائيل» وأنه « لا توجد أي حجج لتدخل خارجي الآن في سوريا بعد خروج الإيرانيين»؟، مما يعني أن سوريا قد طوَت حقبة محور طهران بيروت إلى غير رجعة.

 

طبعاً ليس مطلوباً من حزب لله تعليق عمله ونشاطه الحزبي «حتى إشعارٍ آخر» على غرار ما أعلنه حزب البعث العربي الإشتراكي في سوريا بعد إسقاط فصائل المعارضة السورية المسلحة نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد وفراره من البلاد، بل المطلوب أن يقتدي حزب لله بما أقدم عليه حزب البعث بتسليم جميع الآليات والمركبات والأسلحة إلى الجيش اللبناني والتصريح عن أمواله وأملاكه لوزارتيّ المالية والعدل ونقل الإشراف على جامعة الشام إلى وزارة التعليم العالي، وليس التسبب بختم المستودعات المستأجرة لصالح الجامعة اللبنانية بالشمع الأحمر من قِبل القضاء نتيجة استخدامها  لتخزين الأعتدة العسكرية.

محاولات قاسم الدؤوبة لتسويق حصرية تفكيك البنيّة العسكرية للحزب بجنوب الليطاني تعيدنا بالذاكرة إلى تأكيد الرئيس بري للموفد الأميركي آموس هوكشتاين قبيل إغتيال الأمين العام السابق حسن نصرلله والتوغل الإسرائيلي في الجنوب اللبناني: «إن نقل نهر الليطاني الى نقطة أخرى أسهل بكثير من إبعاد قوات الرضوان عن الحدود الجنوبية». وفي هذا السياق تبدو محاولات قاسم في الإلتفاف على الإتّفاق وكأنها استكمال للإعجاز الجغرافي الذي استخدمه الرئيس بري في مسألتين، الأولى في التسليم بما نص عليه الإتّفاق لجهة مقتضيات الأمن الاسرائيلي المفروض أميركياً والذي لا يمكن تحمل كلفة الإخلال به، والثانية في عدم التسليم بإلزامية نزع سلاح الحزب شمال النهر وفي كل لبنان وهذا يعني المجاهرة بالذهاب الى منازلة داخلية عنوانها التمسك بمكتسبات سياسية ومالية وأمنية فرضها السلاح في الداخل خلافاً للدستور والقانون وعلى حساب السيادة الوطنية بعد تطبيق القرار 1701 بنسخة العام 2006.

 

تبدو  جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية المحطة الأقرب زمنياً لاختبار قابلية حزب لله لإعادة التموْضع لبنانياً بعد سقوط الأسد وإقفال طريق طهران بيروت، وقد يكون في الصمت الرسمي حيال مواقف قاسم محاولة لسبر ردود الفعل لدى الكتل السياسية المتمسكة بتطبيق القرار 1701 بكافة مندرجاته. وفي هذا السياق يبدو إن تسليم حزب لله بالتخلي عن سلاحه جنوب الليطاني يضع الإستحقاق الرئاسي في الواجهة كمساحة متاحة للإلتفاف على القرار الدولي لقاء تذكية هذا المرشح أو ذاك. وربما يندرج في هذا الإطار ما سُرب في الإعلام حول زيارة رئيس وحدة الإرتباط والتنسيق في حزب لله وفيق صفا وأحمد بعلبكي مستشار رئيس المجلس النيابي نبيه بري لقائد الجيش العماد جوزيف عون لتقديم العروض والإملاءات، أو لوضع القيود حيال ما يمكن وما لا يمكن مصادرته من بنيّة الحزب العسكرية.

قد يعتقد حزب لله أن ما تعرضت له طهران من خسائر فادحة في سوريا قابل للإحتساب في ميزان القوى الإقليمي وليس في الإنتخابات الرئاسية، وأن سردية عدم شمولية إتّفاق وقف إطلاق النار كافية لإخضاع المرشحين وانتخاب رئيس يشبه شمال الليطاني الذي يروّج له الحزب أي خارج القرار 1701 . لكن الحقيقة إن الدرس المرير الذي تلقته إيران في سوريا كما أسماه قائد الحرس الثوري حسين سلامي يبدو كافياً للعودة الى الإعجاز الجغراقي للرئيس بري ولكن هذه المرة بنقل الليطاني الى الحدود الشمالية للبنان وجعل الإستحقاقات كافة خاضعة للقرار 1701.