تكثر أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية اللبنانية، تحضيراً لجلسة 9 كانون الثاني، وتكثر معها الاتصالات السياسية الدولية والإقليمية والمحلية، للاتفاق على اسم مرشح «توافقي» يكون مقبولاً من الجميع. وتعمل كل القوى على الأرض واللجنة الخماسية، وتنشط المقايضات والمساومات بين اللاعبين في الداخل والخارج.
لكنّ الملفت أنّه في خضم كل هذا الجدل لم يتطرّق أحد إلى السؤال عمّا سيقوم به الرئيس المقبل؟ ما هو برنامجه وأولوياته لإخراج لبنان من الشلل والأزمات، ما الذي سيقوم به في الشأن الاقتصادي وفي الأزمات الاجتماعية، في التعليم، وغيرها…
كنا ننتظر من كل مرشح أن يُقدّم لنا مشروعه المتكامل الذي يتضمّن أيضاً موقفه من كافة الاستحقاقات التي يواجهها لبنان، وخصوصاً أنّ هناك خطوات أولية يجب السَير بها سريعاً لبناء اقتصاد قوي ويختلف عن السياسات والممارسات السابقة:
– أولاً، هل هو مؤمن بالشفافية ويَعتبر أنّها الخطوة الأولى الرئيسية لمعالجة مشاكل الفساد والهدر وفقدان الثقة، وهل سيعمل خلال عهده على إقرار قانون للشفافية وعلى تطبيقه بدءاً من القصر الجمهوري وصولاً إلى كل إعمال القطاع العام؟
– ثانياً، هل ستكون أولوياته إعادة الودائع للمودعين لتجديد الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني؟
– ثالثاً، هل هو مستعد لإلغاء القوانين المضرّة التي تعرقل الاستثمار، والعمل على إصدار قوانين جديدة تحفّز الاستثمار؟
– رابعاً، هل يُدرك أنّ الناس فقدت تعويضاتها، وهذا يؤسس لأزمة اجتماعية خطيرة، وأنّه من الأولويات إعادة بناء صندوق التعويضات (بعقلية مختلفة ونظام جديد لأنّ الطريقة السابقة أفلست الضمان ثلاث مرّات وتجرّ الجميع إلى الإفلاس) لرفع الظلم عن شريحة واسعة من اللبنانيّين؟
بالتوازي مع ذلك، ما هو تصوّره لحل أزمة التعليم في لبنان، وهل يملك حلاً مستداماً لذلك؟
هل يُدرك واقع الإجراءات الإدارية في لبنان التي تعرقل الإنتاجية؟ هل سيعمل خلال ولايته على تغيير ذلك؟ وهل هو مؤمن بالاقتصاد المنتج والاستفادة من مقوّمات لبنان المتعدّدة على كل الصعد لتكبير الثروة والخروج من التعتير؟
وهل يختار فريق عمل عنده القدرة والولاء لمصلحة البلد وليس لشخصه؟
نأمل أن نرى تغييراً في إدارة الحكم، والتغيير الأساسي هو أن يتبنّى أي مرشح لرئاسة الجمهورية الشفافية ويطبّقها. وبما أنّ الموضوع الرئاسي أصبح دولياً، فلكل الدول الحريصة على لبنان وتريده أن يزدهر، أن يكون معيار دعمها لأي رئيس مقبل هو تبنّيه العلني لتطبيق الشفافية في لبنان.
إحتضارُ الحضارة ما بين السوريّتَين
الوزير السابق جوزف الهاشم
لا تزال أنظار العالم مشدودةً ومصعوقةً أمام ما يتمُّ اكتشافهُ يوماً بعد يوم في دولة تاريخية إسمها سوريا.
حاكمٌ يقصف شعبه بالبراميل المتفجّرة والكيماويات، حطّم الأرقام القياسية في فنون البطش والتعذيب والقمع والترهيب والذبح في مسالخ الزنزانات، حتى في أساليب المذابح هناك بعضٌ من الرحمة، يقول النبيّ: «إنّ الله كتبَ الإحسان بالقتل فإذا قتلْتُمْ فاحسنوا القتل وإذا ذبحتُمْ فاحسنوا الذبح» (رواه: مسلم).
هذه الفواجع في سوريا ستظلُّ راسخةً في أذهان التاريخ تتناقلها الأجيال في كلِّ مكانٍ وزمان، كمثل ما تُروى مجازر نيرون في روما، وهتلر في ألمانيا، وموسوليني في إيطاليا، وستالين في روسيا، وهولاكو في بغداد، وتيمورلنك في الشام.
هل كان حلفاء النظام السوري يعلمون بما كان يجري في معتقلات الموت والمقابر الباردة؟ وهل كان المجتمع الدولي يعرف كيف كان الناس يعيشون في سوريا وكأنّهم أمواتٌ يتنفّسون؟
والذين نادوا وينادون بوحدةِ المسار والمصير شعاراً حتميّاً بين لبنان والنظام السوري، كيف كانوا يتوقّعون اليوم، لو أصبح مصير لبنان واللبنانيّين كمثل ما كان في سوريا؟
لقد توارث الحُكّام في سوريا مسيرة الإنقلابات العسكرية، المنتصر فيها يسيطر بالعنف، ويفرُّ المهزوم هرَباً من رهْبةِ السجون والإعتقال والإغتيال، ولم يكن إلّا لبنان ملجأً رحباً للمغضوب عليهم من الزعماء والرؤساء ومنهم: أكرم الحوراني، خالد العظم، ناظم القدسي، إحسان الجابري، شكري القوتلي، سعدالله الجابري، عبد الحميد السرّاج وغيرهم.
والطريف، أنّ خالد العظم لمّا تولّى الحكم في سوريا، شنَّ حملة على الحُكم اللبناني وضيَّق الخناق على اللبنانيّين وألغى التبادل الجمركي، وحين أصبح منفيّاً في لبنان وتوفّى فيه، لم يُفسَح لأهله أنْ يدفنوه في سوريا فدُفِنَ كوديعة في لبنان.
ولا تسأل في المقابل، وفي عهد النظام السوري القمعي، عمّا حلّ على لبنان والحُكم في لبنان من تضييق وسيطرة واغتيالات، ولا تسأل عن المعتقلين اللبنانيّين في السجون السورية الذين يُخشى أن يكونوا ضحايا المكابس.
أمّا بعد، فلا بدّ للفواجع التي ارتُكبتْ في سوريا من أن تشكّل إنذاراً للأنظمة الإستبدادية التي تنتهج أسلوب الطغيان والتعسّف العنيف لقهر شعوبها، فإنّ القَيْدَ لا بدّ من أن ينكسر، ولا بُدّ للظالم من أن يُبلى بأظلمِ.
وإنّ أبرز ما يستخْلِصُه الثوار السوريّون مِـنْ عِبَـرِ التاريخ، هو أن يجعلوا من لبنان: نظاماً وصيغةً مثلاً يُحتذى لسوريا الجديدة.
لعلّها تكون ساعة اليقظة التاريخية لإعادة بناء سوريا على أسس حضارية كدولة عصرية تنهلُ ثقافة الحياة لا ثقافة الموت، تُخْرِجُ نفسَها من محور ساحات الحرب إلى ساحة السلام لتحقيق إنسانية الإنسان ورفاهيّته وحريّته وسعادته.
إنّ أخطر ما يعانيه بعض الأنظمة العربية هو استخدام السيف لقتل العقل، واستخدام الدين سلاحاً حربياً للسيطرة السياسية فيستحيل الدين وسيلة للإستبداد.
يقول الكواكبي، في كتابه: «طبائع الإستبداد «إذا كان الإستبداد نزعةً ترجع إلى الدين فيصبح الدين مرتبطاً بالنظام الإستبدادي، فإنّك تكون أمام خيارَين: إمّا خيار تغيير الدين وإمّا خيار تغيير الإستبداد…».
في بلاد الإغريق اشتهرت أسبرطة بالسيف والقتل والحرب، واشتهرت آثينا بالفكر والعقل، وما لبثت أنْ توشّت أسلحة الحرب بالصدأ في أسبرطة، وتعمّمت ثقافة الفكر الآثيني على العالمَين.
أَفَما آنَ بعد طول هذه القرون أن تصل ثقافة الفكر الآثيني إلى هذا العالم ليدركَ أخيراً أنَّ السيفَ لا يقتل العقل.