جنبلاط لا يسعى لدور «بيضة القبان»… ويُريد التنسيق مع بري لانتخاب رئيس جديد
الملف الرئاسي لم يفتح بعد لاسباب عديدة متصلة بالخارج والداخل.
قبل اقل من ثلاثة اشهر على نهاية المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، تبدو الساحة الداخلية في حالة ارباك لاسباب عديدة، منها ما يتصل بتداعيات التدهور المالي والاقتصادي، ومنها ما يتعلق بحسابات الافرقاء والمكونات السياسية لهذا الاستحقاق.
ويبدو جليا، ان الاهتمام الدولي بانجاز هذا الاستحقاق لم تبدأ ترجمته عمليا، بسبب انشغال الدول المؤثرة بتداعيات حرب اوكرانيا المتفاقمة.
وفي هذا المجال، ترى مصادر سياسية مطلعة ان الادارة الاميركية لا تستعجل الغوص في هذا الملف اللبناني نظرا لانشغالها مجددا بالمفاوضات الشاقة والصعبة في الملف الايراني والاتفاق النووي، وتعتبر واشنطن ان الاولوية الآن في الموضوع اللبناني هي لملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية الذي يتولاه موفدها هوكستاين، لانها تعتقد انه سيرسم خريطة المرحلة المقبلة، عدا انه يوفر لها نقطة ثمينة لتعزيز دورها في هذا المجال.
وفي فرنسا، ينصرف الرئيس ماكرون الى معالجة التداعيات الناجمة عن حرب اوكرانيا، لا سيما ان الشتاء الاوروبي سيكون قاسيا في ظل تراجع حجم امدادات الغاز الروسي.
ووفقا للمعلومات المتوافرة، فان اهتمام باريس بالوضع اللبناني لن يتضاءل، لكن القيادة الفرنسية لم تبدأ بعد بعمليات جس النبض للمساهمة في تمرير الاستحقاق الرئاسي بمرونة وسلاسة تكفلان المجيء برئيس حل وليس رئيس ازمة. وتحبذ باريس ان يشكل هذا الاستحقاق دفعا جديدا باتجاه العمل لمساعدة لبنان من اجل الخروج من ازمته، وهي تميل الى تحقيق حيز اكبر من التوافق على الرئيس الجديد، لذلك تفتح آفاق التواصل مع سائر القيادات والاطراف اللبنانية بمن فيهم حزب الله.
ووفقا لمعلومات تسربت مؤخرا، فان بعض السياسيين المسيحيين يحاولون استكشاف موقف ورأي فرنسا بشخص الرئيس الجديد ومواصفاته، لكنهم لم يسمعوا حتى الآن سوى كلام عمومي لا يتعدى ما صدر ويصدر عن الرئيس ماكرون وسائر المسؤولين الفرنسيين.
وعلى الساحة المحلية، صار معلوما ان مواقف رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط المترافقة مع عودة الحرارة للتواصل بينه وبين حزب الله، تعطي انطباعا قويا بانه يريد ان يبعث باكثر من رسالة والى اكثر من اتجاه، لا سيما بعد الخلاف الذي ظهر بينه وبين كل من بكركي وحليفه الانتخابي سمير جعجع، واعتراضه وانتقاده لمحاولة الذهاب بقضية المطران الحاج الى ابعد مدى من التصعيد والنفخ في نار الازمة السياسية.
ووفقا لمصادر سياسية مطلعة، فان جنبلاط لم يخف انزعاجه من تحويل شعار الحياد الذي طرحته بكركي الى شماعة عند بعض الجهات للذهاب به الى محاولة ادارة الظهر والتطبع مع ما قامت وتقوم به «اسرائيل» من تهديدات لسيادة لبنان وثروته، والتغاضي عن تداعيات عدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني ومحاولة شطب القضية الفلسطينية.
وفي شأن الاستحقاق الرئاسي، صحيح ان جنبلاط لم يعلن موقفه من شخص الرئيس المقبل كما سائر الاطراف، الا ان من يتابعون ويعرفون هواه في مثل هذه الملفات المهمة يدركون انه لا يتشاطر، بل يتناقض مع مواقف وتوجهات جعجع الاخيرة الذي يدعو الى عدم المجيء برئيس توافقي او من ٨ آذار، ويقصد هنا سليمان فرنجية دون غيره.
وكما ترى المصادر ان جنبلاط، الذي تربطه علاقة خاصة مع بري، يحبذ التنسيق معه في شأن الاستحقاق الرئاسي كما في قضايا اخرى، ويبدي رغبة وان كانت غير معلنة في الاحاطة بموقف حزب الله من خلال التواصل معه مباشرة. وتعتقد المصادر ايضا انه لا يسعى لتأدية دور «بيضة القبان» في الاستحقاق الرئاسي، لكنه يرغب في ان ينجح مع بري في اجراء هذا الاستحقاق في موعده وانتخاب رئيس جديد للبلاد يؤدي دورا مهما في عملية الانقاذ.
ومما لا شك فيه، ان الانتخابات النيابية افرزت واقعا معقدا في الاصطفافات السياسية، وخلطت الاوراق بطريقة يصعب فيها التعامل مع الاستحقاقات الكبيرة بيسر وسهولة، لذلك سيكون الطريق الى الاستحقاق الرئاسي شائكا، لا سيما اذا سعى المتضررون الى تطييره وتأخيره، وحاولوا ترجيح كفة الفراغ حتى اشعار آخر.
من هنا تبرز اهمية الحركة التي بدأت تظهر ملامحها على الساحة السياسية، والتي ستتبلور تدريجا مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي.
فهل تنجح جهود الساعين الى انتخاب رئيس جديد خلفاً للرئيس عون، ام نقع في الفراغ؟