أجهز وليد جنبلاط على أغلبية نيابية مفترضة، كانت تروّج لها «القوات» عشية فتح صناديق الإقتراع، وكانت لا تزال حتى ساعات قليلة تراهن على تكوينها وغرفها من معجن القوى المعارضة، ولو أنّ الأخيرة مشتّتة وتتّجه إلى مزيد من التشققات. وإذ بتموضع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الوسطي، بين الإصطفافين يسقط احتمال أن تتمكن المعارضة من تجميع أجنحتها وأطرافها لكي تقدم مرشحاً جدياً لرئاسة الجمهورية.
في الواقع، حتى لو لم يبادر جنبلاط باتجاه تبني مرشح أو التفاهم مع قوى الثامن من آذار على مرشح، فقد نام الكثير من مرشّحي الصف الآخر «على وجوهم» ليل الخميس الماضي على أثر اللقاء الذي جمع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي بوفد «حزب الله» وهم متأكدون أنّ الزعيم الدرزي قرّر الوقوف على خطّ الوسط بانتظار انقشاع المشهد الإقليمي لمزيد من الحراك.
قبل هذا الحدث المفصلي بأيام قليلة، كان بعض مرشّحي المحور المعارض في صدد تطريز البزّة البيضاء. كلّ منهم يعتقد أنّها ستكون لحظته الذهبية طالما أنّ المناخ المحلي والإقليمي لا يشي بإمكانية التجديد لخيارات الصفّ الأول من المرشحين، وبالتالي ستكون الفرصة متاحة أمام مرشحي الصفّ الثاني وما دون. فيصير بذلك كل ماروني مشروع مرشّح. وهنا الكارثة!
إذ مع وقوف العقوبات الأميركية حاجزاً حديدياً أمام طموحات رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» جبران باسيل الرئاسية فضلاً عن الحالة الاستفزازية التي يشكّلها إزاء بقية المكونات السياسية، ومع تعاطي رئيس حزب «القوات» سمير جعجع مع وضعيته كمرشّح اصطفاف سياسي لن يجد أكثرية توصله إلى قصر بعبدا، صارت الكرة في ملاعب كثيرة. يقول نائب معارض غير ماروني: لدينا أكثر من 1000 مرشّح والحبل على الجرار.
نعمت افرام وميشال معوض أكثر الأسماء تداولاً على الضفة المعارضة، خصوصاً أنّ رئيس حزب الكتائب سامي الجميل المرشّح بالفطرة، أباً عن جدّ، لا يتصرف من منطلق أنّ المرحلة هي مرحلته. فالنائب الكسرواني لا يخفي أمام من يلتقيهم أنّ الفرصة متاحة أمامه بعدما صار رئيساً لكتلة من نائبين فيما يتردد أنّ الكتائب وعدته عشية الانتخابات بالسير به مرشحاً رئاسياً ولهذا منحها نائباً على طبق من فضّة، فيما يعتقد النائب الزغرتاوي أنّ علاقته المتينة بالإدارة الأميركية قد تقدّمه على البقيّة، مع أنّه بين النائبين اللذين كانا معاً في عداد «تكتل الإصلاح والتغيير»، صولات وجولات من الخلافات العلنية وغير العلنية والتي سجّلت أولى حلقاتها عشية انتخابات رئاسة مجلس النواب… ما يجعل مشروع اتفاقهما على مرشح واحد محفوفاً بالصعوبات، قبل الانتقال إلى الحدفة الثانية وهي الاتفاق مع القوى الأخرى، وفي مقدّمها «القوات».
أحدث المنضمين إلى بورصة الترشيحات من هذا المحور، النائب التغييريّ ميشال الدويهي، صاحب الـ1768 صوتاً على اعتبار أنّ تكتل نواب 17 تشرين يضمّ مارونيين فقط إلا أنّ اهتمام النائبة نجاة عون بالشؤون البيئية، جعلت النائب الزغرتاوي أقرب إلى لقب مرشح رئاسي، ولو أنّ بعض المعنيين يشيرون إلى أنّ ترشيحه ليس إلا من باب زكزكة سليمان فرنجية ولن يتحوّل خطوة جدية، خصوصاً بعدما صارت الخلافات بين نواب 17 تشرين موضع تندّر بين أبناء الطبقة السياسية.
ومع ذلك، فإنّ هذه المشهدية لا تكتمل إلا بموقف «القوات» التي تشكل ركناً أساسياً في المحور المعارض. سمير جعجع يقول: «أمامنا 3 احتمالات: الأول وردي لكنه طبيعي، ومن المفترض أن نراه، وهو اتفاق المعارضة بكل أطيافها، والتي تضم 67 صوتاً، على مرشح واحد يتمتع بالحد المقبول من البعد السيادي والحد الأقصى من الوضعية الإصلاحية، وهذا ما نجهد من أجله كي نضع لبنان على سكة الانقاذ الفعلي». ولكن هذا الاحتمال سقط مع تموضع جنبلاط الجديد… فيما وضع جعجع خطّاً أحمر تحت «الاحتمال المهضوم» وهو الاتفاق على مرشح من قماشة «أبو ملحم». ليبقى احتمال وحيد وهو التعطيل تحت عنوان أنّ «الضرورات تبيح المحظورات».
هكذا، يمكن القول إنّ خيارات المعارضة تقلّصت إلى حدود التعطيل. حتى الآن تحاذر «القوات» الدخول على نحو مباشر على خطّ اللقاءات التي يجريها نواب مستقلون وهي التي تعرف مسبقاً أنّ وجودها على طاولة مشتركة سيثير الخشية في نفوس بقية القوى المعارضة من سيطرة معراب على القرار ورغبتها في أخذ الأمور نحو التشدد والاصطفافات الحادة. ولهذا، تترك «القوات» الحراك المعارض يأخذ شكله ومكانه قبل أن تقول كلمتها إزاءه، مع العلم أنّ بعض النواب يتولون التنسيق مع معراب.
بالنتيجة، يدلّ بوانتاج الأصوات المعارضة، في ما لو تمكنت «القوات» والكتائب رغم خلافاتهما المتراكمة، ونواب 17 تشرين لو اتفقوا، والنواب المستقلون، أيضاً اذا اتفقوا، على أنّ الرقم 43 (لتعطيل النصاب) لا يزال غير مضمون، وثمة حاجة لإقناع عدد من النواب السنّة في السير بهذا الخيار لكي تتمكن المعارضة من حجز الجلسات الانتخابية، وثمة حاجة أيضاً لاستدراج مناخ دولي يدعم هذا السيناريو، وهو إلى اللحظة غير متوفر.
يقول نائب معارض من مجموعة 17 تشرين إنّ «مشاريع المرشحين في صدد بناء تموضعاتهم» مشيراً إلى «أنّنا لسنا طاقة ترشيحية، كما أنّها ليست مسألة كفاءة ومعايير شخصية بل تركيبة وتوازنات»، كاشفاً أنّ المجموعة بصدد وضع ورقة هي عبارة عن اطار سياسي للعهد الذي سندعمه كأجندة سياسية، وسيتم التفاوض مع القوى الأخرى لإمكانية التفاهم. يضيف أنّ «إمكانية الاتفاق موجودة لكن حسم الترشيحات صعب جداً»، لافتاً إلى أنّه «اذا كان عنوان التعطيل حماية المشروع، فهو خيار يُناقش، ولكن أن يكون التعطيل من أجل مرشح فهو عنوان لن يلاقي قبولاً»