لبنان الوطن لم يعد في عين العاصفة بل أصبح هو العاصفة الهوجاء بمنظومته الحاكمة والمتحكمة رؤساء وحكومات ووزراء ونواب وإدارات ومجالس أنشئت للمحاسيب والأزلام ووزعت طائفيا ومذهبيا وغاب عنها كل ماله علاقة بالوطن الجريح والمواطنين المساكين. وقد شمل تأثيرها السيئ الكثيرين من اللبنانيين الذين خفّ لديهم الانتماء للوطن لحساب بيئات مستحدثة طائفية ومذهبية وعنصرية ومناطقية تتبعها ولاءات وارتباطات داخلية وخارجية، والعاصفة في مسارها المتصاعد وقد تقتلع كل ركائز الوطن ولا تترك منه أثرا..
وما ينطبق على هؤلاء المذكورين أعلاه يسري على القوى والأحزاب والتكتلات والتيارات والجمعيات وجموع المجتمع المدني رغم انتفاضتهم المباركة والتي كانت المدخل الصحيح والسليم للإصلاح والتغيير المنشود من الجماهير اللبنانية التي خرجت للساحات والميادين بالملايين بمواجهة المجموعة الجهنمية الحاكمة التي أخذت الدولة والوطن إلى الهلاك والانهيار، والدمار وها هي اهراءات مرفأ بيروت وجريمة تفجيره وضحاياه الأبرار من الرجال والشباب والشابات والأطفال، والمسكوت عن الفاعلين وتعطيل التحقيقات رغم مرور عامين من الزمن شواهد حيّة على مخاطر ما جرى ويجري.
ولبنان ليس فيه من مسؤول ولا مسؤولين قادرين على وقف هذه الكوارث والانهيارات وإعادة البناء والإعمار والترميم وعلى ما يبدو وعلى ما يراه المواطنون من اقوال يتهم فيها المسؤولين بعضهم بعضا وكل يبرئ نفسه وتياره ورئيسه وطائفته من دماء ضحايا ممارساتهم ويتهم الآخرين..
والآن وقد بات لبنان واللبنانيون على مسافة شهرين ونيّف من انتهاء عهد الرئيس عون والرحيل عن الموقع الرئاسي بحكم نص الدستور، وكان طوال عهده موضع جدل واسع كما كان قبل توصيله لرئاسة الجمهورية عندما مارس حالة تمرّد على الدولة حسب رأي غالبية اللبنانيين وكان ثمنها المنفى مدة 15 سنة قضاها بفرنسا وحصل ما حصل من ما كان وسيبقى محسوبا له أو عليه، والان أيضا ولبنان محكوم بدستوره وبالميثاق الوطني الذي هو اتفاق الطائف الذي وضع نصوصه النواب اللبنانيون في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية وجرى دعمه عربيا ودوليا وأوقف الحرب الأهلية اللبنانية وانقذ البلاد والعباد من أخطر ما شهده لبنان وهو سرطان المليشيات الطائفية وحروبها وصراعاتها وما زال أعداء الطائف الظاهرين والمخفيين يلعبون اللعبة الخاسرة وطنيا بضرب الطائف لأهداف خبيثة غير خافية على أحد.
والآن أيضا لبنان أمام إنجاز الاستحقاق الرئاسي بانتخاب المجلس النيابي المنتخب حديثا رئيس جديد للجمهورية اللبنانية بعد أن تعرقل قصدا وعن سابق تصور وتصميم تشكيل حكومات لبنانية سابقا وحاليا لمرامي مكشوفة، ورئيس لكل لبنان ولكل الشعب اللبناني لا رئيس لطائفة ولا لطائفة الرئيس ولا لحزبه أو لتياره السياسي أو العائلي فالوراثة هنا ساقطة ومذمومة. رئيس لكل اللبنانيين، لا لمحور سياسي بعينه داخليا ولا اقليميا في هذا الزمن الضبابي ولا دوليا، فالأوطان عادة تتعلم من تجاربها فتهجر كل تجربة سيئة جلبت الأخطاء والخطايا والنكبات، وتتمسك بكل تجربة ناجحة حملت في طيّاتها الخير والنفع العام للبلاد والعباد وأسوأ التجارب عندما يظل الفاشلون ممسكون بفشلهم وهذا ما أوصل لبنان واللبنانيين إلى ما هم عليه خلال الربع القرن من هذا الزمن وما أصاب البلاد خلال السنوات الستة الأخيرة التي نتمنى واللبنانيين جميعا أن تنتهي بهدوء. وتطوى هذه الصفحة ليعود الضوء من جديد إلى لبنان وتعود الآمال والبسمات لكل اللبنانيين ويكون للبنان مسار واحد مسار الحرية والديمقراطية والانصهار الوطني الصحيح والعيش الواحد الموحد لكل الشعب اللبناني والقوة التي نجحت في تحرير لبنان من العدو الصهيوني ومن الطامعين، والخروج من التحشدات الطائفية والمذهبية والسياسية والجهوية والتبعية الى أفاق ورحاب الوطنية اللبنانية والعروبة الحضارية، عندها المسار الخطير للبنان يسقط ويندثر والبديل عنه مسار الامن والأمان والعيش بكرامة وأن تكون مصلحة لبنان واللبنانيين قبل وفوق أي اعتبار ومن سار على المسار الصحيح والدرب السليم وصل.