تبدأ رسمياً غداً المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، الّا انّ المساعي الظاهرة تصبّ في اتجاه محاولة تأليف حكومة جديدة، لا تزال أسهمها تترنح بين هبوط وصعود، على وقع انتظار مكلف.
على الرغم من الاستعصاء الذي يواجه محاولات تشكيل الحكومة الجديدة.. وعلى الرغم من السجالات الحادة بين الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي وقيادة «التيار الوطني الحر»..
وعلى الرغم من المناكفات بين قصر بعبدا والبلاتينيوم (مقر ميقاتي)..
وعلى الرغم من إلباس الخلاف العباءة الطائفية لضرورات شدّ العصب وصولاً الى استحضار الدعم والمؤازرة من مرجعيات وأطر طوائفية..
على الرغم من كل ذلك، هناك من لا يزال يبدي تفاؤلاً من خارج النص، في إمكان ولادة الحكومة الجديدة قريباً، أي قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون في 31 تشرين الأول المقبل.
والمفارقة، انّه وعشية الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، عاد النقاش ليتركّز على الملف الحكومي بدل ان تكون الأفضلية هي لترتيب تفاهمات حول انتخاب الرئيس في مهلة الشهرين الممتدة من 1 أيلول حتى 31 تشرين الأول، ما يؤشر إلى اقتناع الجميع بتعذّر ولادة الرئيس في الموعد الدستوري وضرورة الاستعداد للبدائل.
واللافت، انّه كان قد ساد قبل فترة، انطباع بأنّ المسعى لتشكيل الحكومة لا يتصدّر الاولويات الفعلية، ولا يحظى بالجدّية المطلوبة، على قاعدة انّ الاستحقاق الرئاسي القريب بدأ يفرض إيقاعه وصار الأكثر استقطاباً للاهتمام، كونه حجر الأساس في إعادة تكوين السلطة. انما يبدو أنّ التسليم الضمني من القوى الداخلية بصعوبة انتخاب رئيس الجمهورية وفق الروزنامة الدستورية أعاد ترتيب الاولويات لمصلحة محاولة إنجاز التأليف الحكومي، حتى ولو قبل ساعات قليلة من مغادرة عون القصر الجمهوري.
ولكن، ما هي العوامل التي يستند اليها المتفائلون؟
يفترض هؤلاء انّ عون وميقاتي يخوضان معركة التشكيل بضراوة على حافة هاوية الفراغ، إلاّ أنّ كلاهما يتهيّب الانزلاق إلى ما تحت الحافة حيث المجهول.
ويشير هؤلاء إلى انّ عون وميقاتي يستخدمان كل وسائل الضغط المتبادل في إطار السعي إلى تحسين شروط التفاوض، وهما يستنفدان كل الوقت الممكن و«يعصرانه» قبل الوصول إلى لحظة الحقيقة واستخراج التسوية الحكومية من عنق الزجاجة.
بمعنى آخر، فإنّ كلاهما ينتظر ان يصرخ الآخر اولاً في لعبة «عضّ الأصابع» المشتبكة، والتي يحمل بعضها قلم التوقيع ويمسك بعضها الآخر بورقة التكليف.
ثم إنّ تسليم سلطات رئيس الجمهورية الماروني، على محدوديتها، إلى مجلس الوزراء برئاسة ميقاتي السنّي، سيفتح الباب أمام فوضى في الاجتهادات الدستورية والسياسية، والأخطر انّه سيؤدي إلى استقطاب طائفي مستعر، سيؤجج جمر الهواجس المتبادلة.
ويعتبر أصحاب هذا الرأي انّ وضع البلد لا يتحمّل اصلاً وجود حكومة تصريف أعمال مكبّلة الصلاحيات، في مواجهة أزمة اقتصادية اجتماعية كاملة الصلاحيات. إذ انّ مثل هذه الحكومة، وبمعزل عن شرعية تسلّمها مهمات الرئيس من عدمها، لا يمكنها بطبيعة دورها المقيّد وحدوده الضيّقة ان تتصدّى للتحدّيات التي تنتظرها.
بناءً عليه، حتى لو لم يكن خطر الفراغ الرئاسي داهماً، فإنّ تشكيل حكومة أصيلة، ولو استمرت لوقت قصير، هو أمر ملح في ظرف استثنائي مثقل بالملفات الشائكة. فكيف إذا كان شبح الشغور الرئاسي يحوم حول قصر بعبدا؟ وماذا لو أقام فيه طويلاً؟
ويحذّر المسكونون بتلك الهواجس، من انّ الانزلاق إلى فراغين متلازمين، رئاسي وحكومي، سيكون ضرباً من التهور والعبثية، لما سترتبه هذه المغامرة غير المحسوبة من تداعيات وخيمة في مختلف الاتجاهات.
من حيث المبدأ، تبدو الأسباب الموجبة التي يعرضها مرجّحو تشكيل الحكومة مقنعة وصحيحة، إنما أين محلها من إعراب أصحاب الشأن؟ وهل سيأخذونها في الحسبان؟