بدأتْ – والحمدلله – هذه الحملةُ الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية…
لا تقرعوا الأجراس، ولا ترفعوا الأعلام على أعمدة الكهرباء، ولا تُطلقوا الأسهم النارية في سماء بعبدا، فقد يكون تحت الرمادِ نار.
إذا غادر الرئيس ميشال عـون القصر الجمهوري من دون قصفٍ بالطيران…؟
هل سيكون فراغٌ بعد ولاية الرئيس عـون أشبهُ بالفراغ الذي كان قبل الولاية، فكان بين الفراغين فراغ…؟
وإذا تحقّقتِ الأعجوبة الدستورية، فمَـنْ هو هذا البطل الأسطوري الآتي من وراء الضباب..؟ من هو هذا الرمز الخلاصي، هذا النبيّ «نـوح» الذي يركب السفينة الرئاسية لحماية الكائنات الحيّـة من الطوفان…؟
هذا الطوفان الجامح الذي يغمر لبنان، أكثر ما يحتاج كما يقول «الفارابي» «إلى فيلسوف أو نبـيّ، هما المؤهَّلان لرئاسة المدينة الفاضلة».
هل نستورد الفلاسفة من الخارج…؟ «أفلاطون» من اليونان، و«ديكارت» من فرنسا، و«هيغل» من إلمانيا…؟
وهل يـمنُّ علينا اللـه بنبيّ من السماء، وعندنا يتكاثر الأنبياء الكذَبة كمثل ما شاع بعد النبيّ، «وهو لا نبيَّ بعده»…؟
وهل سنظلّ نـدورُ خلف طواحين الهواء لاكتشاف المواصفات الرئاسية، كأنّها سـرٌّ من الأسرار السحرية الغامضة..؟
منذ أول رئيس جمهورية لدولة لبنان الكبير سنة 1926، طُرحتْ مواصفاتٌ للرئاسة أهمها: «أنْ يكون خارج أي انتماء حزبي، وخارج أيّ مشاحنات سياسية أو خصومة مع فريق ضـدّ آخـر، ولـه صفـة العالِـم والنزيه، والنظيف الكـفّ والخبير في الشؤون السياسية» (1).
ولأنّ هذه المواصفات، في ظـلّ تلك المشاحنات، قد توافقت مع شارل دبّاس الأرتوذكسي، فقد تمكّن المفوض السامي الكونت «دوجوفينيل» من إقناع البطريرك الياس الحويّك برئيس غير ماروني على أنْ يكون إستثناءً ولمـرّةٍ واحدة فقط (2).
مَـنْ هو هذا المرشّح اللاّ أرتوذكسي، الذي يتمتّع بهذه المواصفات في ظـلّ الصراع الماروني الشرس على الرئاسة…؟ اللهمَّ حاشا أنْ يكون ذلك الذي بشَّـرنا بِـه الرئيس ميشال عـون في احتفال الجيش الفائت حين قـال: «سأعمل بكلّ قـوة لانتخاب رئيس يواصل مسيرة الإصلاح التي بدأناها..».
إذا صحَّـت هذه البُشرى لمواصلة مسيرة الإصلاح، فتعالوا نترحّم على العهدين معاً، ونُـنشد قصائد الرثاء على لبنان وعلى أنفسنا.
لفتَـتْني جـداً كلمة سفيرة فرنسا في لبنان «آن غريـو» في 14 تموز الفائت عيد فرنسا الوطني، حين اعتبرتْ: «أنَّ لبنان يحتاج إلى رجـل دولة قادر على انتشاله من أزمته، وعلى استعادة ثقـة المجتمع الدولي بهذا البلد… أنظروا لم نعـد نسمع الآن صوت لبنان في المحافل الدولية».
فتِّـشوا عن رجـل الدولة هذا، في غير هذه المنظومة السياسية الضّالةِ والفاسدة.
فتّـشوا عن الماروني الأرتوذكسي، والماروني المسلم، وحتّى الماروني الملحد والزعيم الحقيقي.
الزعيم ليس ذاك الذي ينصّب نفسه بأصوات البنادق لا بأصوات الشعب…
والزعيم ليس ذاك الذي زار حاكمٌ تركيّ جـدَّه فولاَّهُ مشْيَخةَ القرية، وراحت الزعامة عنده تتكرّر بالتناسل مع «مكارم» الثقافة العثمانية «وفضائلها».
نحن أمام مفصل تاريخيّ حاسم، إمّا أنْ نعيش في بلاد إسمها لبنان، وطـنُ كراماتِ الإنسان وإنسان الكرامات.
أو أنْ نعيش في بلاد الزعيم العثماني وسلطانها عبد الحميد، وعليك أنْ تختار لنفسك: إمّـا البحر، وإمّا السجن، وإمّا الـذلّ، وإمّا الفقـر وإمّـا النار.