لم يلفّ الغموض انتخابات رئاسة الجمهورية في السابق كما يلفها اليوم. حتى في الانتخابات الرئاسية الماضية كان الأمر على بيّنة جرّاء تشدّد حزب الله في التمسك بالرئيس ميشال عون، ما جعل جنرال الرابية في الواجهة. علماً أن المنافسة كانت محصورة بين مرشحَين يجمعهما «الخط الستراتيجي الواحد» على حد ما كان ولا يزال يؤكد عليه ثانيهما سليمان فرنجية، باعتبار أن رئيس تيار المردة من صلب ٨ آذار، وعون الحليف الأول لهذا الفريق. أما هذه المرّة فحزب الله لم يحسم موقفه بعد، وإن كان ثمة مَن بدأ يشير إلى أن سماحة الأمين العام السيد حسن نصرالله قد يميل إلى النائب جبران باسيل بعد الحملة الشديدة التي شنها عليه (بالتخصيص والتحديد) الدكتور سمير جعجع في كلمته بعد انتهاء القداس الإلهي على نية شهداء القوات اللبنانية الذي أقيم مساء أول من أمس الأحد في معراب في حشد جماهيري كبير، تميز بحضور سياسي لافت.
إلا أن المناسبة التي اعتبرها غير مراقب فاتحةً فعلية للمعركة الرئاسية لم تكن كذلك في تقدير مراقبين آخرين. فالموقف القواتي لم يقدم جديداً رئاسياً لا من حيث الهجوم على باسيل ولا من حيث الإصرار على «رئيس المواجهة»، ولا من حيث التأكيد على معارضة وصول مرشح للرئاسة يدعمه حزب الله، بالطبع ولا الحملة المضاعفة على الرئيس ميشال عون الذي يتحمل الحكيم نفسه مسؤولية كبرى في وصوله إلى سدّة الرئاسة في ذلك الاحتفال المنقول مباشرة على الهواء ذات ليلة ممطرة وعاصفة في معراب. بل إن الكثيرين، وفي مقدمتهم رئيس تحرير «الشرق» النقيب عوني الكعكي، قالوا وكتبوا، مراراً وتكراراً، إن الرئيس سعد الحريري كان يؤثر سليمان فرنجية، ولكن أُسقِط في يده واضطُر إلى «المشي» بعون بعد قرار جعجع والتسوية التي توافق عليها التيار والقوات بتقاسم الوزراء والنواب وكبار الموظفين.
المهم أن الاستحقاق الرئاسي، هذه المرة، يدور في حلقة مفرغة، فالأسماء المتداولة كثيرة ولكن الجدية لا تنطبق إلا على ثلاثة يواجه كل منهم عراقيل عديدة. أولهم الوزير – النائب السابق سليمان فرنجية الذي التقت القيادات المسيحية على معارضته بالرغم ممّا بينها من خلافات. ثانيهم النائب جبران باسيل الذي يعارضه المسيحيون الآخرون وتيار المستقبل والنائب – الوزير السابق وليد جنبلاط، والطرف الثاني في الثنائية الشيعية الرئيس نبيه بري. وأما ثالثهم فهو العماد جوزاف عون الذي يبدو الأقرب إلى الوصول، ولكنه يواجه معضلة دستورية كونه لا يزال في الوظيفة. وهذه يمكن حلها بتعديل دستوري إذا توافرت أكثرية الثلثين الداعمة له. أي ان القائد هو الأقرب.
هل يعني أن الترشحات تقف هنا ولا تتخطى هذا الثلاثي؟ الجواب بالنفي طبعاً، ولكن تركيبة مجلس النواب بعد الانتخابات الأخيرة أفرزت أقليتين كبيرتين، كما بدا من استحقاقات رئاسة مجلس النواب، ونيابتها، وأمانة السر واللجان، ما يجعل تأمين نصاب الثلثين متعذراً إن لم يكن مستحيلًا.
فالمتاهة من دون أفق مفتوح، والفراغ يطرق الأبواب بقوة.