Site icon IMLebanon

مِنْ مار مخايل إلى مار مارون

هذا الذي كان استحقاقاً دستورياً نستحقُّ بـهِ رئيساً للجمهورية، أصبح اليوم إستحقاقاً مصيريّاً نستحقّ بـهِ الجمهورية والوطن…

إمّـا أن يستمرَّ الوطن نازفاً في سرير الإحتضار ، وإمّـا أنْ يحمل سريرَهُ ويمشي.

 

ومع هذا النزيف الدموي فإنَّ الإستحقاق الدستوري يشكل اليوم مختـبراً لفحص الـدم… لِمَـنْ هو صاحب الـدم الوطني ، ولِمَـنْ هو صاحب الـدم الملوَّث، ولمـنْ هو صاحب اللاَّ دم.

ليس طموحنا أنْ نجعل لبنان أفضل مـما كان ، عملاً بالوعد الذي أطلقه رئيس ولايـة هذا العهد… فأَنْ يعودَ لبنان كمثل ما كان يحتاج إلى عشرين ولايـةً وولايـة.

 

كلُّ طموحنا، عـدم الوقوع في الواقع ، وإنقاذُ لبنان من مهالك الزوال ، وقد انهارت فيه “صوامع” الدولة كمثل “صوامع” القمح ، ولم يبقَ إلاّ بعضٌ من “الصوامع” الجنوبية التي تحتاج إلى تدعيم …؟

 

هل يصـحّ اليوم أنْ يكون الحكم أرجوحةً خاضعة للمساومة والإبتزاز..؟ وأنْ يكون المرشّح الرئاسي محكوماً بمطالبَ ومكاسِب ، وشروطٍ مسبقة تفرضها التكتّلات الناخبة عليه من الداخل والخارج ، فإمّـا أنْ يخضع للإرتهان ، أو أنْ يكون الفراغ…؟

 

وهل يدرك أصحاب الـدم الوطني، ماذا يعني الفراغ…؟

الرئيس فؤاد شهاب الذي تسلّم الحكم بعد ثورة 1958 لو أنـه كان مرتهناً لمشيئة الذين انتخبوه لما استطاع أنْ يحقّـق الإصلاحات السياسية والإدارية التي عصرَنَتِ الدولة.

 

بعدما كان كمال جنبلاط أحـد الأقطاب البارزين الذين أوصلوا الرئيس كميل شمعون إلى الحكم قيل لـه: “كان عليكم أنْ تطالبوا كميل شمعون قبل انتخابه بحصّـةٍ للجبهة في الحكم فقال : إننا نستصغر ذلك في نفوسنا(1)”.

 

إنْ لـم يكن انتخاب الرئيس متعالياً عن استصغار النفوس وأغراض الذات في معزل عن أيّ هـوىً محلي وهوَسٍ خارجي، فقد يُصبح الحكم مجموعة تتغلّب على مجموعة أخرى ، وتصبح القوانين خاضعة للقوة النظامية لا لقوة الدستور، وتتبعثر مصالح الدولة بين أهل النظام وأهل الحاشية.

 

الحريّـةُ الوطنية المطلقة في هذا الإستحقاق يتحمل مسؤوليتها المجلس النيابي اليوم أمام محكمة التاريخ في معزل عن الأوامر الفوقيّـة والوصايات.

إنها المأثـرةُ التاريخية المتسامية في حريـة الإختيار أعلنها الإمام علي بـن أبي طالب بعدما تلقَّى ضربـةَ السيف من إبـن ملجم ، فسألهُ الناس هل نبايع الحسن فقال: “لا آمـركُمْ ولا أنْهاكُم”.

 

ليس هناك اليوم مرجعيات سياسية في استطاعتها أنْ تـؤمّن للرئاسة رئيساً.

وليست التكتّلات النيابية المتباينة حيناً والمتعاكسة حيناً آخـر بقادرةٍ على تحقيق هذا الإنتخاب، وما لـمْ يتمّ توافقٌ مشترك شامل بين مختلف القـوى المتعاكسة فالرئيس هو الفراغ.

 

هناك ملامح عامة مشتركة تبدو متوافقةً على شخصية رئيسٍ من خارج المنظومة السياسية، لا يكون محسوباً على فريق ولا يتعارض مع فريق آخـر.

ولكن، مَـنْ هي المرجعية الصالحة والقادرة على تأمين أجواء التفاهم للحؤول دون الفراغ…؟

 

الرئيس نبيـه بـرّي في ذكرى تغييب الإمام الصدر، جـاء في خطابه: ما يتعاطف مع مشاعر الجمهور اللبناني العريض ، وما يبـرّد الهواجس التي تراودُ بعضَ هذا الجمهور حيال الثنائي الشيعي.

والسيد حسن في ذكرى الأربعين لانطلاق حـزب اللـه، أطلق مبادرة: “الإنفتاح على كلّ القوى السياسي خدمة لمستقبل لبنان واللبنانيين”، أيْ من دون استثناء أحـد.

 

وأهـل البيت الذين يحملون أحـدَ “الثِقلَين” كتابَ اللـه، هـمْ أجـدرُ مَـنْ يحملون مفتاح الإنفتاح على بيوت اللـه: من تفاهم مار مخايل إلى تفاهم مار مارون.