على رغم أن الشعب ينتخب النواب للقيام بالواجب، إلا أن الإستحقاقات الداخلية ومن ضمنها الرئاسية كانت تتأثر بالعوامل الخارجية وتسويات الدول الكبرى.
لو كان انتخاب الرئيس يتمّ مباشرة من الشعب لما لعبت العوامل الخارجية دورها بهذا الشكل، لكنّ غياب النظام الرئاسي وإيكال مهمة إنتخاب الرئيس إلى مجلس نواب يتأثّر بالسفارات، جعل من الإستحقاق الرئاسي محطّة لعرض عضلات الدول على أرض لبنان.
منذ الرئيس الأول للإستقلال بشارة الخوري، والرئاسة تُصنع في الخارج، فالخوري دُعم من البريطاني على حساب منافسه الفرنسي الهوا الرئيس إميل إده، يومها كانت بريطانيا الأقوى وقدّ أثّرت في انتخابات 1952 حيث أعطت كلمة السرّ لانتخاب حليفها الرئيس كميل شمعون.
واستكمل تأثّر الإستحقاق الرئاسي بالتوازنات الخارجية، ووصل اللواء فؤاد شهاب إلى سدّة الحكم العام 1958 بتوافق أميركي – مصري بعد الثورة الشهيرة على شمعون، وكذلك حصل بالنسبة إلى خلفه الرئيس شارل حلو الذي انتُخب العام 1964.
ولم تتوقّف آلة التدخل الخارجي، حتى ان انتخابات 1970 الشهيرة التي دارت بين «الحلف» و»النهج» وأوصلت الرئيس سليمان فرنجية بصوت واحد على حساب مرشح «النهج» الياس سركيس حصلت بعد محاولة الإنتقام السوفياتية من «الشهابية» وأدواتها الأمنية، أي المكتب الثاني.
من جهته، إنتُخب الياس سركيس العام 1976 بتوافق أميركي – سوري من أجل إنهاء الحرب، في حين أن انتخاب كل من الرئيس الشهيد بشير الجميل وشقيقه أمين حصل بعدما كانت الدفة مائلة للأميركيين.
وبعد توقيع «إتفاق الطائف» وصل الرئيس رينيه معوض إلى الرئاسة الأولى بتوافق أميركي – سعودي – سوري، لكنه استشهد قبل استلامه زمام الحكم، في حين أن كلاً من الرئيسين الياس الهراوي وإميل لحود إنتُخبا بعد وضع الرئيس حافظ الأسد يده على لبنان، بينما كان انتخاب الرئيس ميشال سليمان العام 2008 نتاج «اتفاق الدوحة»، في حين أن العماد ميشال عون وصل إلى بعبدا العام 2016 بعدما سيطر «حزب الله» ومن خلفه إيران على القرار السياسي.
ولا يبدو المشهد اليوم مختلفاً عن قبل، فاللاعب الأساسي لا يزال الأميركي، ويدخل الإيراني كشريك أساسي في الإستحقاق الرئاسي، بينما خفّ وهج الدور السوري لا بل انعدم لحساب الدور الإيراني.
وتبقى هناك علامات استفهام أساسية تُطرح عن الدور السعودي، فالمملكة ورثت قوة مصر السياسية وخصوصاً بعد رحيل الرئيس التاريخي جمال عبد الناصر، وكان لها التأثير الأكبر منذ رعايتها «إتفاق الطائف»، لكن الغضب السعودي على لبنان لا يزال على حاله، وإن كان قد خفّ في الشكل.
وفي السياق، فإن واشنطن التي تدير الملف اللبناني بالمباشر، تنظر إلى نتائج المفاوضات النووية مع إيران، بينما الموقف السعودي ثابت تجاه «حزب الله»، لكن هذا الأمر لم يدفعها حتى الساعة لدخول الحلبة الرئاسية.
وإذا كان الفرنسي هو الآخر ينتظر نتائج المفاوضات النووية، إلا أنه يبدو أكثر نشاطاً من السعودي، ودوره يأتي مكملاً للدور الأميركي لا أكثر، لذلك يجب معرفة إلى أين ستتجه الرياح الإقليمية والدولية لمعرفة من هو رئيس جمهورية لبنان، إلا في حالة واحدة وهي قدرة النواب على لبننة الإستحقاق وعزله عن الرغبات الخارجية وهذه فرصة متاحة خصوصاً عند من يدعون أنهم ترشحوا حفاظاً على مصالح الشعب وضد الطبقة التي تدار من الخارج.