لا زال رئيس المجلس النيابي نبيه بري، يتمهّل في تحديد موعد جلسة انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية، وذلك مردّه إلى جملة اعتبارات وظروف أملت على رئيس المجلس عدم الإستعجال في تحديد جلسة الإنتخاب، على الرغم من أنه كان في صدد تحديد الأول من أيلول جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، أي في أول أيام المهلة الدستورية، وبعدما تحوّل المجلس النيابي إلى هيئة ناخبة.
أما لماذا يتريّث الرئيس بري؟ تؤكد مصادر سياسية عليمة، أنه يدرك ما يحيط بالبلد من أجواء سياسية ضاغطة وخلافات وانقسامات وشحن طائفي، ومن خلال خبرته الطويلة، فهو لم يعطِ “التيار الوطني الحر” أي فرصة للإستفادة الشعبوية كي يقول رئيس “التيار” النائب جبران باسيل لمحازبيه وأنصاره، بأن هناك من يستعجل لإخراج رئيس الجمهورية ميشال عون من قصر بعبدا، وأراد في بداية المهلة الدستورية أن يستفيد من هذه المهلة ويُعيّن جلسة انتخاب، إضافة إلى عوامل أخرى، وهنا بيت القصيد، أي أن بري يدرك أنه ليس هناك من أي حسم للتوافق على هذا المرشح أو ذاك، كذلك، وهو على بيّنة من دور وحضور المجتمع الدولي في مثل هذه الإستحقاقات، بمعنى أن طبخة التسوية الرئاسية لم تنضج بعد من الدول المعنية بالملف اللبناني واستحقاقاته. لذا، أراد أن يعطي بعض الوقت للمشاورات والإتصالات الداخلية والخارجية، وعندها يبنى على الشيء مقتضاه، بعد أن تكون قد تبلورت هذه الإتصالات، ويحدّد حينها موعداً لجلسة انتخاب الرئيس.
وتتابع المصادر، مشيرة إلى أن هذا الوقت الضائع رئاسياً وسياسياً، وعلى كافة المستويات، بدأت تستثمره القوى السياسية، ومن كل المكوّنات، من خلال الدخول في صياغة التحالفات ولو مرحلياً، وهذا ما برز بفعل الإتصالات أو التحالف غير المعلن بين عين التينة وفردان وكليمنصو، والذي أزعج العهد وتياره، كونه يُعتبر أوسع تحالف سياسي من شأنه أن يكون العامل الأقوى كقوة سياسية وشعبوية، وأيضاً بفعل خبرة كل من الرئيس نبيه بري إلى الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، ومن الطبيعي رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، وهؤلاء أيضاً “يَمونون” على شريحة لا يستهان بها من قوى سياسية أخرى، ومن نواب مستقلين، وربطاً بهذا التحالف، فإن الواضح حتى الآن أن كتلة النواب “التغييريين” ألـ 13، وعلى الرغم من عدم تجانسهم وتوافقهم، فإنهم أقروا برنامجاً رئاسياً شاملاً، وهذا من شأنه أن يشكل قوة نيابية مؤثّرة في الإستحقاق الرئاسي، والأجواء والمعطيات الراهنة تشير إلى أن النواب “التغييريين” بدأوا اتصالاتهم مع كل القوى السياسية دون استثناء، من أجل أن يكون هذا البرنامج توافقياً بين جميع الكتل والمكوّنات النيابية، دون استبعاد أن يحظى برنامج نواب “التغيير” بدعم حزب الكتائب وبعض النواب المستقلين، إلى عدد من النواب الجدد في طرابلس وصيدا وبيروت والبقاع.
وأخيراً، ليس في الأفق حتى الآن ما يؤكد بأن أي طرف سياسي، ولا سيما من الأحزاب الأساسية، قد حسم خياره حول هذا المرشح وذاك، بما فيهم المرشحون المعروفون ومن يتم التداول بأسمائهم منذ فترة طويلة، ما يعني أن الجميع يعيد حساباته، ويقرأ بهدوء المسار الرئاسي، بعيداً عن “الدعسات النقصة”، ولهذا، فإن الأسبوعين المقبلين من شأنهما بلورة المشهد النيابي، على ضوء الردود على مشروع نواب “التغيير” لناحية من يؤيده ويدعمه، إلى من سيتجاهله وعدم الإكتراث له.