انطلقت المهلة الدستورية لالتئام مجلس النواب بناءً على دعوة رئيسه نبيه بري لانتخاب رئيسٍ جديدٍ للبلاد، ولم يبقَ منها إلّا 47 يوما، في وقت تكبر فيه الخشية من تكرار تجارب ومشاهد الفراغ الرئاسي الذي حصل بعد استقالة الرئيس الاستقلالي الأول بشارة الخوري في منتصف ولايته الثانية، حيث تشكّلت حكومة برئاسة اللواء فؤاد شهاب واستمرت من 18 حتى 22 أيلول 1952 تولّت خلالها صلاحيات الرئيس حتى انتخاب كميل شمعون رئيسا، وكان الفراغ الرئاسي الكبير في نهاية عهد الرئيس أمين الجميل في العام 1988 قبل اتفاق الطائف والذي استمر 409 أيام، ثم أعقبه فراغ رئاسي بعد اتفاق الطائف بعد ولاية الرئيس إميل لحود عام 2007 استمر من 24 تشرين الثاني حتى 25 أيار 2008، لينتهي هذا الفراغ بانتخاب الرئيس ميشال سليمان بعد اتفاق الدوحة، والذي أنهى ولايته بفراغ رئاسي استمر من 25 أيار 2014 حتى 31 تشرين الأول 2016 بانتخاب الرئيس ميشال عون الذي لم يبقَ من عمر ولايته سوى سبعة أسابيع ناقصة يوما واحدا، فهل ان لبنان مقبل على خلو الكرسي الأولى من سيدها الجديد مع غياب التوافق السياسي حتى الساعة على شخصية رئاسية، إضافة الى تشتّت وتوزّع الكتل النيابية بعد انتخابات 2022؟، بحيث لا تبدو أكثرية واضحة هنا أو هناك، ناهيك عن إمكانية توفير النصاب القانوني لأي جلسة انتخاب رئاسية التي تتطلب حضور ثلثي أعضاء المجلس النيابي أي 86 نائبا. فهل ستكون خلال الفترة المقبلة دعوة لانتخاب الرئيس؟ أم سيكون اللبنانيون أمام انتظارات جديدة إلى حين نضوج تسوية لن يكون الخارج بعيداً منها، كما هي العادة دائما في لبنان منذ أول رئيس في زمن الاستقلال، وبالتالي لن يكون الرئيس المقبل خارج هذا السياق اللبناني.
بأي حال، فأنظار اللبنانيين تتجه إلى الموعد الذي سيدعو فيه رئيس مجلس النواب إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، التي كان ربطها في تصريحٍ سابقٍ له، بأن «يقرّ المجلس النيابي إصلاحات تمثل شروطاً مسبقة لبرنامج إنقاذ من صندوق النقد الدولي»، لكن من الواضح ان الأمر يرتبط كما هي العادة بحصول نوع من الاتفاق على اسم ما، في ظل واقع معقّد، وعدم وجود أكثريات صريحة متحالفة قادرة على إيصال مرشحها بشكل محسوم إذا ما خيضت اللعبة «ديمقراطياً» بالانتخاب.
في غضون ذلك، تعجّ الساحة السياسية اللبنانية بالمرشحين وإن كان أغلبهم غير جدّيين، وباسماء تطرح من هنا أو هناك سواء للمناورة أو للحرق في ميدان السباق الرئاسي، كما ان هناك أسماء مطروحة للرئاسة بجدّية لن ندخل في ذكرها الآن، وخصوصا أنها هي لم تُعلن رسمياً بعد عن ذلك.
وفي السياق، بدأت مختلف الكتل البرلمانية سرا أو علنا في وضع صياغات للرئيس الذي تراه من وجهة نظرها يصلح للكرسي الأولى في البلاد، وقد استهلّ تكتل «نواب التغيير» تحرّكهم الرئاسي بالإعلان عن بدء الجولة الأولى من اللّقاءات الّتي تشمل جميع الكتل النيابية والنّواب المستقلّين لشرح أهداف المبادرة الرّئاسيّة الّتي أطلقها التكتل، بهدف الوصول إلى «لبننة الاستحقاق»، كما جاء في بيان للتكتل.