IMLebanon

رئيسٌ سياديّ منعاً للتفكُّك والمجهول

 

أكمل النواب « التغييريون» دورتهم على مكونات المجلس النيابي، لاستشراف مواصفات رئيس الجمهورية المقبل للبنان. أغلب الظن، أعطى النواب الوافدون مواصفات الرئيس الجديد من دون الدخول في العملي؛ بحيث اقتصرت الآراء على النظريات، التي لا تشكل منهجاً عمليّاً للإنتقال الى التنفيذ. إنها الجولة الأولى، وهي تستحق الثناء كبادرة يُبنى عليها في كل المحطات الدستورية الأساسية؛ فكيف إذا كانت هذه المحطة اليوم، بحجم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعد أن شارفت، هذه الأخيرة، على لفظ أنفاسها في عصر الإنحطاط الذي نعيش؟

 

المعارضات النيابية، على اختلافاتها، تُجمِعُ في الصالونات المُغلقة، وبعضها علناً على وسائل الإعلام، أن أسباب الإنهيار الحاصل في لبنان هي سياسية بامتياز، عندما استسلم العهد العوني لشريكه «حزب الله»؛ فأعطاه لبنان كجائزة ترضية، لقاء مكاسب خاصة في الدولة. فسقطت الدولة؛ وسَلخَ هذا الحزب الجمهورية اللبنانية عن محيطها الطبيعي والتاريخي، ليسجنها في معتقل الممانعة (الغامض) خدمة لطهران. الأمر الذي انعكس انهياراً للمالية العامة والنظام المصرفي والقضاء والأمن والنهب الممنهج للدولة… لذلك يمكن تلخيص الأزمة في لبنان بعنوانين: إنحرافٌ سياسي وانهيارٌ للدولة؛ كان فيها الأول، أي الإنحراف السياسي سبباً لانهيار الدولة ومؤسساتها.

 

في العلاج المنطقي والمنهجي لأية أزمة، ومن ضمنها طبعاً الأزمة اللبنانية، يبدأ القيمون عليها تحديد الأسباب ومواجهتها ومن ثم تحديد الأعراض ومعالجتها. أسباب الأزمة في لبنان إذاً سياسية، وأعراضها الإنهيارات التي نعيش. فكل محاولة للبدء بمعالجة الأعراض والنتائج قبل البدء بالسياسة تبقى مضيعة للوقت واستمراراً للإنهيار وإمعاناً في المجهول. فنواب المعارضات، على مختلف انتماءاتهم، هم واعون لهذا الواقع؛ لابل هم مدركون أن الإنقاذ يجب أن يبدأ بالسياسة، على أن يتواكب بمعالجة الملفات الأخرى الداخلية. كما يدركون أن تقويم الإنحراف السياسي هو عملية أساسية للإصلاح الداخلي التراكمي لإنقاذ لبنان من نكبته. فهل هم جاهزون، وبنفس العزيمة، لإعادة لبنان إلى وضعه الطبيعي؟

 

الإنقاذ إذاً يبدأ سياسيا بانتخاب رئيس للجمهورية سيادي بامتياز لمواجهة الأزمة السياسية. عبارة «مواجهة» يفسِّرُها أصحاب النوايا السيئة حرباً أهلية للتهرُّب من المسؤولية العملية للمعالجة وبالتالي تتسبب في تضليل المواطنين وتخويفهم؛ بينما هي في الحقيقة لا يعدو كونها في السياسة مواقف وطنية وسيادية يجب أن يتخذها المسؤول الأول في الدولة، المؤتمن على الدستور، تجاه الإنحرافات التي تمس بالسيادة الوطنية.

 

المعارضات كلها تؤمن بالحلَّ المنطقي للأزمة، لكن بعضها لا يزال متردداً حتى الآن؛ إما لأنه لا يزال يحمل أثقالاً تاريخية ورثها من سلطة الوصاية السابقة على لبنان ولم يبرأ منها حتى اليوم؛ أو أنه لا يزال سجين «شرنقة» الحرب الأهلية التي نسجتها القوى المعادية للبنان بخيوط التزوير والتحريض، وأجبرتنا على أن نكون وقوداً لها فدفعنا جميعاً أثمانها؛ أو لأنه يخاف مواجهة الأزمة بالواقع، ويكتفي بإطلاق مواقف نظرية صحيحة، لكنه يحجم عن ترجمتها لواقعٍ ملموس إنقاذي يُخرج لبنان عمليّاً من أزمته.

 

في هذه المحطة الخطيرة من تاريخ لبنان، لا يمكن لنواب الأمة الإكتفاء بالمواقف السيادية النظرية التي لا تطعم جائعاً ولا تداوي مريضاً، وبالتالي تجاهل أو إغفال الحل المنطقي العملي والإنقاذي بترجمة هذه المواقف عمليّاً؛ إنما عليهم الإنتقال إلى الحلِّ العملي وانتخاب رئيس سيادي بامتياز، يتولى معالجة قضية السلاح غير الشرعي أولاً كبوابة عبور لمعالجة قضايا المال والإقتصاد والحدود… باختصار هم أمام حلين: الأول، إنتخاب رئيس للجمهورية من 8 آذار أو رئيس تسووي توافقي لا تختلف نتائجه عن الـ 8 آذاري بشيء من النتائج، وبالتالي استكمال انهيار الدولة وتحلُّلها والذهاب إلى المجهول، لأن معظم اللبنانيين يرفضون العيش في ظلِّ دويلة «حزب الله»؛ والثاني، انتخاب رئيس سيادي يلتزم بالبدء بمعالجة السلاح غير الشرعي للحزب، تمهيداً لمعالجة بقية القضايا التقنية (مال ، إقتصاد ، حدود…)، وإعادة لبنان إلى موقعه الطبيعي ودوره. طبعاً النواب يدركون أن السياسة، وفي أي بلد في العالم، هي المصدر الأساس: للإغناء أو للإفتقار، للإزدهار أو للإنهيار. لذا فمعالجة الأزمة اللبنانية تفرض عليهم البدء بالمعالجة السياسية؛ أي باختيار رئيس سيادي يواجه الواقع السياسي ويبدأ معالجته. وإذا لم تتوافق المعارضات على اختيار هذا الرئيس المواجه للإنحراف السياسي، فسوف تحصد في المستقبل عارين: عار الهروب من المواجهة وعار الإستسلام للإنهيار. لأن الخوف من المواجهة يفاقم حتماً الإنهيار.

 

(*) نائب سابق في تكتل «الجمهورية القوية» وعميد ركن متقاعد