34 يوما باقٍ من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بما فيها طبعا، الأيام العشرة الأخيرة من انتهاء الولاية التي نص عليها الدستور «قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم مجلس النواب بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس» (مادة 73).
ويعتبر مجلس النواب الملتئم لإنتخاب رئيس الجمهورية هيئة إنتخابية لا هيئة إشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أي عمل آخر (مادة 75).
فهل ستشهد الأيام المقبلة ضيفا تاسعا جديدا في القصر الجمهوري في بعبدا الذي بدأ بناءه الرئيس الاستقلالي الثالث اللواء فؤاد شهاب، وكان أول من سكنه الرئيس شارل حلو في الثلث الأخير من ولايته؟!
وفي خصوص المقر الرئاسي، يلاحظ خلو الدستور من أي نص يحدد موقع ومركز رئاسة الجمهورية، في حين تنصُّ المادة 26 من الدستور على أن تكون بيروت مركز الحكومة ومجلس النواب.
وبصورة عامة، كان يطلق اسم القصر الجمهوري على مقرّ إقامة رئيس الجمهورية مع جهاز رئاسة الجمهورية في أي مكان يقيم فيه رئيس الجمهورية، حتى تمّ بناء قصر بعبدا في الستينات، وكان الرئيس شارل حلو أول رئيس استقرَّ فيه.
وإذا كان العهد الاستقلالي الأول يطمح لأن يكون قصر الصنوبر هو القصر الجمهوري، إلا أن ذلك لم يتحقق، علما ان ألفرد موسى سرسق هو من قام ببناء القصر سنة 1916 كجزء من كازينو يضم ميدان لسباق الخيل بطلب من عزمي بيك، والي بيروت العثماني في حينها. ولم يتم استخدام القصر ككازينو قط نظراً لوضع اليد عليه من قبل سلطات الانتداب الفرنسي وتحويله مقراً للمفوضين الساميين الفرنسيين. ويحمل قصر الصنوبر رمزية خاصة، لأنه تم إعلان قيام دولة لبنان الكبير من على شرفة القصر سنة 1920 من قبل الجنرال غورو.
وفي عهد الرئيس الاستقلالي الأول بشارة الخوري استأجرت الدولة اللبنانية قصر القنطاري، وتحوّل إلى القصر الرئاسي، وقد شغله الرئيس بشارة الخوري، ومن بعده الرئيس كميل شمعون، الذي شهد نهاية عهده أحداث عام 1958.
الى ذلك، فقد اعتُمد قصر بيت الدين كمقر صيفي للرئاسة في عهد الرئيسين بشارة الخوري وكميل شمعون، غير أنه في عهد الرئيس فؤاد شهاب لم تنتقل رئاسة الجمهورية إلى قصر بيت الدين في فصل الصيف لأنه أقام شتاءً في الذوق وصيفًا في عجلتون. وفي الواقع، اتّخذ غالبية الرؤساء قصر بيت الدين مقراً لهم خلال الصيف ولو لفترة وجيزة باستثناء أمين الجميّل وإلياس الهراوي.
في عهد الرئيس شهاب استكملت المشروعات لبناء القصر الجمهوري في بعبدا، الذي كان أول ساكنيه الرئيس شارل حلو، الذي كان قد اتخذ قبل الانتقال الى بعبدا، من قصر سن الفيل مقراً للرئاسة، ثم انتقل إلى قصر بعبدا بعد أن أنجز بناؤه، ولما كان الدستور اللبناني ينص صراحة على أن بيروت العاصمة هي المقر الرئيسي لرئيس الجمهورية وللحكم، ولما كانت بعبدا خارج نطاق بيروت، أصدر حلو مراسيم هادفة إلى تكبير بيروت وضم بعبدا والضواحي إليها. فكان ما سمي ببيروت الكبرى، وتوالى الإقامة في قصر بعبدا بعد الرئيس شارل حلو كل من الرؤساء: سليمان فرنجيّة وإلياس سركيس وأمين الجميّل. ثم الرئيس إلياس الهراوي الذي لم يستطع بعد انتخابه الانتقال إليه بسبب سيطرة العماد ميشال عون عليه، وبعد عملية 13 تشرين الأول 1990 تهدّم جزء من القصر فتقرر ترميمه وتجديده، وأقام الرئيس الهراوي في البداية في ثكنة عسكرية للجيش اللبناني في أبلح في البقاع، ثم انتقل في العام 1992 إلى محلة الرملة البيضاء في بيروت، وأقام في مبنى قدّمه له الرئيس رفيق الحريري وبقي فيه نحو 3 سنوات قبل أن يعود إلى قصر بعبدا.
بعد الرئيس الهراوي، أقام الرئيس العماد إميل لحود في قصر بعبدا (1998 – 2007) فالرئيس ميشال سليمان (2008 – 2014)، فالرئيس ميشال عون منذ 2016 حيث ستنتهي ولايته في 31 تشرين الأول المقبل، فمن سيكون سيد القصر التاسع؟
كل الأنظار تتجه إلى الموعد الذي سيدعو فيه رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، التي كان ربطها في تصريحٍ سابقٍ له، بأن «يقرّ المجلس النيابي إصلاحات تمثل شروطاً مسبقة لبرنامج إنقاذ من صندوق النقد الدولي». وفي وقت يعمل فيه لإنجاز موازنة 2022، في ظل انتظار لاحتمال ولادة حكومية ومنحها الثقة، وبكل الحالات، يبقى اللبنانيون بانتظار من سيكون سيد القصر الجديد الذي سينال التوافق المحلي بغطاء عربي ودولي، فمتى تسقط ما درج بتسميته «كلمة الوحي»، وهو بأي حال اتفاق قد يطول بالنظر إلى كثرة المرشحين غير الرسميين، وعدم وجود أكثريات صريحة متحالفة قادرة على إيصال مرشحها بشكل محسوم إذا ما خيضت اللعبة «ديمقراطياً» بالانتخاب.