ملف الإنتخابات الرئاسية متروك لقدره إقليمياً ودولياً في المرحلة الحالية
الإدارة الأميركية قادرة من خلال تواصلها مع إيران على تسريع خطى انتخاب الرئيس
سياسي ماروني بارز: النتائج الأولية لتعطيل إنتخابات الرئاسة الأولى: تعطّل إنطلاقة الدولة وتراجع عمل المؤسسات والإدارات العامة وتآكل هيبة الدولة
في رأي سياسي ماروني بارز أن التعطيل المتعمّد لانتخابات رئاسة الجمهورية لهذه المدة الطويلة، ليس بريئاً على الإطلاق وإنما يخفي وراءه محاولات وأهدافاً مبيّتة. بعضها بدأ يُطرح ويُسوّق على بعض الألسن من وقت لآخر لجس نبض الأطراف السياسيين على اختلافهم، كإعادة النظر بدستور الطائف وصيغة الحكم في لبنان بالكامل بحجة أن موازين القوى السياسية والعسكرية المرتكزة على التدخل الإيراني في عدد من الدول العربية تستلزم وتفرض إجراء مثل هذه المتغيرات، أو على الأقل محاولة فرض مرشح رئاسي يلتزم مسبقاً بالسير في ركاب مفاعيل التمدد الإيراني ويهادن تفلت سلاح «حزب الله» من سلطة الدولة ويتغاضى عن إمساكه بمفاصل الدولة ومؤسساتها وتدخله في الخارج على حساب سيادة لبنان وقوانينه وخلافاً لرأي ومشورة وقرار الدولة ككل كما يحصل حالياً من خلال إرسال مقاتليه الى الداخل السوري أو العراق وغيرها للقتال إلى جانب النظام السوري والميليشيات العراقية والحرس الثوري الإيراني تحت حجج وذرائع تتغيّر من وقت لآخر حسب مسار المشروع الإيراني ومخططاته في الدول العربية المجاورة.
ويعتبر السياسي المذكور أن طرح موضوع المثالثة أو المؤتمر التأسيسي إنما يندرج في سياق هذه المحاولات والأهداف التي أصبحت مكشوفة برغم من تنصل الجهات السياسية التي تقف وراءها وتروج لها باستمرار، لا سيما من المقربين من «حزب الله» وبعض التيارات المسيحية الفاعلة التي تنتقد إتفاق الطائف، وتنظر إلى أي تغيير مرتقب وكأنه يصبّ في صالح طموحاتها السياسية وأهدافها لتبؤ أعلى المراكز بالسلطة، في حين أن أي رهان على مثل هذه الطروحات أو المشاريع يبقى وهماً وسراباً، لأنه سيضر بلبنان كله على حدٍّ سواء، ولن يقتصر ضرره على فريق دون الآخر كما يعتقد البعض، وتمريره على النحو الذي يروج له من قبل البعض ليس بالسهولة الممكنة، وإنما قد يدفع بلبنان كله الى حافة حرب أهلية خطيرة ومدمرة، الأمر الذي يخشاه الأطراف السياسيون الحريصون على البلد ويحاولون قدر الامكان استيعاب الحرائق التي تحيط بلبنان ومنع امتدادها إلى الداخل بكل الامكانيات المتوافرة وقطع الطريق على أي محاولات للرد على تداعيات تدخل «حزب الله» في الحرب السورية وغيرها.
ويشير السياسي الماروني البارز إلى أن النتائج الأولية لتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، تعطل انطلاقة الدولة ككل وتراجع عمل المؤسسات والادارات العامة وتآكل هيبة الدولة في مختلف المرافق واستشراء الفساد في معظمها، وهذا الواقع المتردي ينعكس ضرراً على وجود الدولة وثقة المواطنين فيها، ويؤدي في حال استمر لفترة طويلة الى انهيار الدولة ككل، وهو ما يخشاه الأطراف الحريصون على بقاء الدولة بكل مؤسساتها ويعملون كل جهدهم لإطفاء التوترات والبؤر الأمنية الناجمة عن تدخل «حزب الله» بالحرب السورية وتوفير الدعم المطلوب للجيش والقوى الأمنية على اختلافها لمكافحة هذه التوترات والحفاظ على الأمن والاستقرار في كل المناطق اللبنانية من دون استثناء، برغم تململ بعض الشرائح الشعبية لمثل هذه الاجراءات الأمنية التي أسهمت إسهاماً كبيراً في منع انزلاق لبنان نحو حروب الدول المجاورة والاقتتال الداخلي.
ويعزو السياسي المذكور أسباب تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية للتنافس القائم بين الزعامات المارونية الحالية وعدم وجود زعيم ماروني كبير قادر على جمع هذه القيادات واستيعاب خلافاتها وتبايناتها كما كان يحدث في ستينات وسبعينات القرن الماضي وفرض التفاهم فيما بينها على مرشّح للرئاسة مقبول من بقية الأطراف والتيارات السياسية وخصوصاً الإسلامية منها، في حين يلاحظ بوضوح ان «حزب الله» يستغل هذا الواقع المتأزم بين الزعامات المارونية والناجم أيضاً عن تشبث العماد ميشال عون لفرض نفسه كمرشح أمر واقع وحيد، ليتلطى وراءه لتعطيل انتخابات الرئاسة لإبقاء السلطة في لبنان ضعيفة ومشرذمة ولتحقيق أهدافه وطموحاته الإيرانية على حساب مصالح الدولة والشعب اللبناني.
ويلاحظ السياسي الماروني البارز ان لبنان متروك حالياً لقدره فيما يخص انتخابات رئاسة الجمهورية بالرغم من وجود رغبة محلية وإقليمية ودولية للحفاظ على الاستقرار الأمني النسبي، لافتاً إلى ان أي تحرك إقليمي أو دولي على مستويات رفيعة لم يحصل بعد لإنهاء الفراغ الرئاسي باستثناء التحرّك الفرنسي الخجول الذي لم يقدم أو يؤخر في تحقيق أي تقدّم ملحوظ في هذا الخصوص لافتقاد فرنسا إلى عوامل الضغط الفاعلة على الأطراف الإقليمية وتحديداً إيران لإنجاز الانتخابات الرئاسية، بينما ما تزال الولايات المتحدة الأميركية التي تستطيع لعب دور مؤثر في هذا الملف من خلال الاتصالات القائمة مع النظام الإيراني والاجتماعات المتواصلة لإنجاز مسألة الملف النووي الإيراني، تتريث في القيام بمثل هذا الدور حتى الآن وتكتفي باصدار مواقف تشجيعية من وقت لآخر، لا تقدّم ولا تؤخّر في هذا المضمار، في حين يستغل «حزب الله» هذا الموقف الأميركي المتردد للامساك بتعطيل الانتخابات الرئاسية، آملاً من وراء هذا التصرف في فرض مرشّح الأمر الواقع الذي يراه مناسباً لممارساته وسياساته وخصوصاً بعد إنجاز اتفاق «الملف النووي» الإيراني في وقت قريب كما يروّج لذلك في أوساط حلفائه وخصوصاً المسيحيين منهم.
ويخشى السياسي المذكور ان يستمر هذا الانكفاء عن الاهتمام الدولي بالملف الرئاسي اللبناني إلى وقت طويل وخصوصاً انكفاء الإدارة الأميركية عن بذل مزيد من الجهود والضغوطات المطلوبة لحث الأطراف اللبنانيين على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأن هذه الاطالة على النحو الجاري حالياً ستزيد من حدة الصراع السياسي القائم بين مختلف الأطراف وتفاقم من نشوء التوترات الأمنية على خلفية الحرب السورية والعراقية، وتؤدي إلى مزيد من تآكل واضعاف مؤسسات الدولة واداراتها وتباعد اللبنانيين بعضهم مع بعض.