إنفتاح الحريري على كل الطروحات كشف مسؤولية «حزب الله» بتعطيل الإنتخابات الرئاسية
الإستحقاق الرئاسي موجَّل وإيران تأمل بمقايضة مع الإدارة الأميركية الجديدة
أهم ما كشفته تحركات الرئيس الحريري، هو زيف وكذب إدّعاءات «حزب الله» وماكينته الإعلامية بأن الرئيس الحريري ومن ورائه المملكة العربية السعودية هما المعطّلان لإجراء الانتخابات
أظهرت وقائع ونتائج التحركات والزيارات المتتالية التي قام بها زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري على المسؤولين والسياسيين المعنيين بهدف تحريك مسألة الانتخابات الرئاسية وإخراجها من دائرة التعطيل والمراوحة التي فرضها «حزب الله» قسراً تحت يافطة فرض ترشيح حليفه زعيم «التيار الوطني الحر» النائب ميشال عون خلافاً لإرادة وتوجهات أكثرية أعضاء المجلس النيابي والشعب اللبناني أمرين أساسيين:
الأول، إنفتاح «تيار المستقبل» على التعاطي مع كل الخيارات المطروحة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بما فيها خيار ترشيح عون للرئاسة، بالرغم من استمرار كتلة «المستقبل» بدعم وتأييد خيار ترشيح رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية للرئاسة كما أكدت على ذلك في بيانها الذي صدر منذ أسبوعين.
ولا شك أن انفتاح الرئيس الحريري على خيار ترشيح عون للرئاسة ومناقشة هذا الخيار مع كل المعنيين بمعزل عن تقديم أي وعود أو التزامات بتأييده ودعمه، يُؤكّد حرصه على مقاربة كل الخيارات بواقعية وعدم التمترس وراء خيار واحد وتقديم كل الأفكار البنّاءة والإيجابية وحتى المبادرات، للخروج من مأزق الفراغ الرئاسي بأسرع وقت ممكن وانتخاب رئيس للجمهورية يُعيد الانتظام للحياة السياسية ويُنهي حالة التفكك والاهتراء التي أصابت عمل المؤسسات والإدارات العامة على اختلافها وأثّرت سلباً على وجود الدولة وهيبتها وقدرتها على تلبية حاجات النّاس الضرورية وتوفير مظلة الأمان المطلوبة لمستقبل أبنائهم.
ولكن الأهم ما كشفته هذه التحركات، هو زيف وكذب إدّعاءات «حزب الله» وماكينته الإعلامية، بأن الرئيس الحريري ومن ورائه المملكة العربية السعودية هما اللذان يعطلان إجراء الانتخابات الرئاسية وأظهرت بوضوح لا يحتمل الالتباس أن الحزب هو الذي يستمر في تعطيل الانتخابات الرئاسية مداورة من خلال التلطي وراء هذا الشعار المزيّف أو غيره ومباشرة عندما تستدعي الحاجة ذلك لأن قراره ليس ملكه وإنما مرتبط بالنظام الإيراني.
فلو كان الرئيس الحريري يريد تعطيل الانتخابات الرئاسية وهذا ليس من طبعه وسلوكياته السياسية، لما كان تقدّم بالمبادرة تلو المبادرة منذ بدء الفراغ الرئاسي قبل أكثر من سنتين وقدّم أخيراً تنازلاً كبيراً بتأييده ترشيح النائب فرنجية وهو من تحالف خصومه في قوى الثامن من آذار لكسر حلقة الجمود وإخراج ملف الانتخابات الرئاسية من دوّامة التعطيل القسري منذ عشرة أشهر وقوبل هذا التنازل الذي لاقى اعتراضاً واسعاً من جمهور ومؤيّدي «تيار المستقبل» في كل المناطق، بالرفض وعدم التجاوب كالعادة من قبل «حزب الله» لأنه لا يريد إجراء الانتخابات الرئاسية في الوقت الحاضر.
الأمر الثاني: عدم وجود قرار إقليمي أو دولي فاعل بإجراء الانتخابات الرئاسية كما درجت العادة في كثير من الانتخابات الرئاسية السابقة أو حتى معظمها، لانشغال هذه الدول بالحروب والمشاكل القائمة بالمنطقة، وتحديداً في سوريا والعراق واليمن وغيرها، وهو ما سهّل على النظام الإيراني الاستمرار بالامساك بورقة تعطيل الانتخابات الرئاسية في لبنان من خلال «حزب الله»، على أمل مقايضتها مع الدول المؤثرة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية بمكاسب خاصة بالدولة الإيرانية على حساب لبنان وشعبه كما درجت العادة من قبل وكما كان يفعل النظام السوري أثناء وجود قواته في لبنان خلال العقود الثلاثة الماضية.
لذلك، فكل ما يطرح من مناوشات وتجاذبات بخصوص السلة أو غيرها والمماحكات الجارية ليست من قبيل الخوض عملياً في اجراء الانتخابات الرئاسية كما يتخيل للبعض ذلك، بل كل ما يحصل هو على الهامش ولا يؤثر على مجرى العملية الانتخابية الممسوكة من قبل إيران بقبضة «حزب الله» الترهيبية بالداخل، ويستبعد ان تتقلص هذه القبضة حالياً مع اشتداد حمى المواجهة الدبلوماسية بين واشنطن وموسكو على خلفية الحرب الدائرة بسوريا وقبل جلاء اتجاهات الحلول المطروحة للأزمة السورية، وهذا الأمر قد يطول ويطول ومرهون بمصالح وتصالحات الدولتين العظميين.
في حين أن الأهم ما يتردد على ألسنة العديد من الدبولماسيين الذين شاركوا في اجتماعات وزيري الخارجية الروسي والإيراني مؤخراً، بأن كل الأمور والمسائل الأساسية معلقة ومن ضمنها مسألة الاستحقاق الرئاسي في لبنان لحين تسلم الإدارة الأميركية الجديدة لمهماتها خلال السنة المقبلة، وهذا يعني بأن طهران تؤجل البحث العملي في موضوع الانتخابات الرئاسية مع كل الدول التي تثيره معها وخصوصاً فرنسا، بانتظار طرحه مع الإدارة الأميركية المقبلة لأنه لا جدوى مع الإدارة الحالية المنتهية ولايتها قريباً، ولذلك سيبقى لبنان في دائرة الانتظار لفترة جديدة.