إختبارٌ ثانٍ سيخضع له مجلس النواب الخميس المقبل مع تحديد الرئيس نبيه بري ذلك اليوم موعداً لجلسة ثانية لانتخاب رئيس الجمهورية.. فما هو المتوقع منها وسط المؤشرات السائدة؟
بمعزل عن دلالة التاريخ الذي اختاره بري لعقد الجلسة في 13 تشرين الأول الذي يصادف ذكرى معركة إخراج العماد ميشال عون من قصر بعبدا عام 1990، وبمعزل عمّا إذا كان تحديد هذا التاريخ مقصوداً ام لا، فإنّ الأكيد هو انّ الجلسة الثانية تكتسب أهمية قد تتجاوز تلك التي حظيت بها الأولى.
في الجلسة السابقة، كان هناك نوع من التواطؤ الضمني على اعتبارها حقل تجارب لاستطلاع الأرض واختبار موازين القوى النيابية في الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي فإنّ كل طرف استفاد منها على طريقته لمعرفة نقاط القوة والضعف لديه ولدى خصمه، وسط تسليم ضمني بأنّها لم تكن مخصّصة لإنتاج الرئيس الرابع عشر للجمهورية.
لا يعني ذلك بطبيعة الحال انّ المرة الثانية ستفضي بالضرورة إلى الانتخاب، ولكن الأكيد انّها ستكون أكثر حساسية في معادلاتها، واستطراداً هي لا تتحمّل ارتكاب أي خطأ في الحسابات والتقديرات، إذ انّ الخطأ هنا لا يمكن تصحيحه او تعويضه، وقد يكلّف صاحبه وصول رئيس لا يريده.
من هنا، تقارب القوى السياسية اختبار الخميس المقبل بمعايير مختلفة وحسابات أدق، منطلقة من أرقام الجلسة الافتتاحية، سعياً إلى البناء عليها والانطلاق منها في رسم السيناريو المقبل.
وبناءً عليه، تحاول الكتل التي صوّتت للنائب ميشال معوض تنظيم الصفوف المبعثرة واستقطاب التأييد له من اتجاهات أخرى في المعارضة لم تقترع للمرشح الزغرتاوي، وهذا ما تحاول أن تفعله خصوصاً «القوات اللبنانية» التي ستسعى في الفترة الفاصلة عن الجلسة المقبلة الى تأمين أوسع أرضية ممكنة لمعوض، وهي مهمّة لن تكون سهلة في ظل وجود اعتراضات عليه من أطراف أخرى في المعارضة.
تحدّي توحيد الرؤية والترشيح يواجه أيضاً فريق 8 آذار – «التيار الوطني الحر» الذي استعرض قوته النيابية في المرة السابقة من خلال «صلية» الأوراق الـ63 البيضاء، لكنه بات يحتاج إلى تسييلها عبر التفاهم بين مكوناته على اسم واحد، لأنّ تكتيك الورقة البيضاء لا ينفع دائماً، وتكراره سيحوّله من عامل قوة إلى عنصر ضعف.
وتفيد المعلومات انّ «حزب الله» سييذل جهده في الايام الفاصلة عن موعد الجلسة الآتية من أجل استشراف إمكانية تأمين 65 صوتاً لانتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، وهو سيبدأ بالمهمّة الأصعب المتمثلة في العمل الجدّي على محاولة إقناع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بهذا الخيار.
ويعتبر الحزب انّ الذهاب من دون «تأبط» اسم محدّد إلى جلسة الخميس يشكّل مخاطرة، لأنّ من شأنه ان يضع فريق 8 آذار والتيار أمام احتمالين سيئبين: الإضطرار إلى إطاحة النصاب، او المجازفة بإمكان فوز مرشح مضاد.
ويلفت القريبون من 8 آذار إلى انّ الفرنسيين لا يمانعون وصول فرنجية، والاميركيين لديهم مرشحهم المغاير، لكن من المعروف انّهم براغماتيون، وهم غير مقفلين أمام البحث في خيار فرنجية على قاعدة ما الذي يمكن أن يأخذوه منه، وبالتالي فإنّ البيئة الخارجية قد تتلقف اسمه اذا صار متقدّماً، انما المطلوب بداية ان تتفق مكونات الخط الواحد عليه.
ويؤكّد العارفون أن ليس لدى الحزب حتى إشعار آخر خطة «ب»، وهو يعطي الاولوية حالياً لإنجاح المرشح الذي يتشارك وإيّاه في الخط الاستراتيجي نفسه، أي فرنجية، مدركاً في الوقت نفسه انّه إذا اقترعت قوى 8 آذار لرئيس «المردة» بلا مؤازرة باسيل فسيؤدي ذلك إلى تعطيل فرصة انتخابه، وإذا استخدمت مجدداً الورقة البيضاء فأنّها تغامر بتسهيل مهمة الطرف الآخر.
غالب الظن انّ الجلسة المقبلة لن تفضي إلى ولادة رئيس لم تنضج بعد ظروف «إنجابه»، الّا انّ مجرياتها ليست واضحة، وقد لا تكون ممسوكة. أما الأكيد فهو انّها ستدفع ائتلاف 8 آذار والتيار إلى البحث بدينامية اقوى عن توافق صعب على الإسم المناسب الذي سيملأ الفراغ في الأوراق البيضاء الـ 63، كما ستدفع كتل المعارضة إلى مواجهة الحقيقة وامتحان قدرتها على الالتقاء حول مرشح واحد عابر لتبايناتها.