تتحرّك دول “الخماسية” بشكل فردي أو ثنائي في لبنان لتشجيع المسؤولين اللبنانيين على انتخاب رئيس الجمهورية في أسرع وقت ممكن لا سيما في ظلّ الظروف الطارئة التي يعيشها والمواجهات العسكرية التي تشهدها الجبهة الجنوبية والتي تتصاعد يوماً بعد يوم وتزيد من مخاطر توسّع الحرب. وهو أمر تُحذّر من حصوله لما له من تداعيات خطيرة على لبنان ودول المنطقة في حال انزلاق الأمور الى ما هو أسوأ.
وتنطلق اللجنة الخماسية في مساعيها المستمرّة، من أنّ الوقت ليس اليوم لصالح أحد، على ما تقول أوساط ديبلوماسية مطّلعة على عملها، ولم يعد أمام لبنان ترف الوقت ليقوم بتأجيل انتخاب رئيس الجمهورية لأشهر عدّة بعد. ولهذا على اللبنانيين الإتفاق على المعايير أولاً، التي على الكتل والأحزاب اللبنانية وضعها وليس “الخماسية”… وإذا ما جرى التوافق على هذه المعايير، فستظهر أسماء عدّة صالحة لهذا المنصب، يُمكن أن يتمّ التوافق على أحدها لرئاسة الجمهورية. من هنا، فإنّ الخيار الثالث الذي سبق وأن تحدّثت عنه فرنسا، مع عدم تمكّن أي فريق سياسي من إيصال مرشّحه الى قصر بعبدا، لا يزال مطروحاً من قبل اللجنة. لكنّ هذا الخيار لا يعني إسماً واحداً فقط بل أسماء مرشّحين عدّة، يُمكن لأحدهم أي يحظى بموافقة جميع الأطراف على إيصاله الى موقع الرئاسة.
فاللجنة الخماسية لا تقوم بالترويج لمرشّح دون سواه، على ما أكّدت، سيما وأنّها لا تدخل في مسألة “فرض الأسماء”، وإن قامت بعض منها بالحديث عن إسم هذا المرشّح أو ذاك، إنّما تنتظر أن يتوافق اللبنانيون على أحد الأسماء، فتعمل على تشجيع ودعم وصوله الى قصر بعبدا. من هنا، فالحديث داخل الخماسية هو عن المعايير وعن ضرورة مساعدة لبنان لانتخاب الرئيس، ودعمه أياً كان المرشح الذي سيتمّ التوافق حوله. بمعنى آخر، “الخماسية” هي وسيلة مساعدة وليست وسيلة ضغط أو إملاء شيء، فهي تساعد لبنان على ما يتفق عليه اللبنانيون أنفسهم.
وذكرت بأنّ الخماسية طرحت “الخيار الثالث” بعد أن تبيّن لها في الجلسة الأخيرة التي عقدها مجلس النوّاب لانتخاب الرئيس أنّ التصويت تمّ لمرشحَين لم يحصل أي منهما، على الأكثرية المطلوبة للوصول الى القصر الرئاسي. وهذا الواقع، فرض عليها البحث عن مرشحين آخرين، وليس عن مرشّح ثالث واحد فقط. وقد يحمل أي موفد من “الخماسية” الى لبنان، إسم أو أسماء، غير أنّ كلّ الاسماء المطروحة على المسؤولين اللبنانيين غربلتها والتوافق على واحد أو اثنين منها للذهاب بهما الى مجلس النوّاب والتصويت لهما.
أمّا التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، من وجهة نظر الخماسية، على ما أوضحت الأوساط نفسها، فلا علاقة له بالإستحقاق الرئاسي. فالتمديد له مسار، وانتخاب الرئيس له مسار آخر. واللجنة الخماسية طالبت دائماً بعدم ترك الأمور تذهب الى حالة فراغ في المؤسسة العسكرية في ظلّ غياب رئيس الجمهورية، وفي ظلّ الظروف الأمنية التي تشهدها الجبهة الجنوبية بفعل حرب غزّة المندلعة منذ 7 تشرين الأول المنصرم. وما دام التمديد للعماد عون قد حصل في مجلس النوّاب، ولم يعد هناك خطر من حصول أي فراغ على رأس المؤسسة العسكرية، فلا بدّ من الذهاب الى استحقاق رئاسة الجمهورية.
وفيما يتعلّق بالحديث عن عدم وجود التوافق داخل الخماسية، وأن ذلك ينعكس على مواقف المسؤولين اللبنانيين، أشارت الى أنّ الخماسية تضمّ خمس دول صديقة للبنان، ولكلّ منها علاقات خاصة معه، وقد أجتمعت في لجنة خماسية وأجمعت على أهمية استقرار لبنان كبلد استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط. ولكن داخل هذه اللجنة ثمّة مسارات أخرى ثنائية، تربط لبنان بكلّ منها. ولهذا هناك مبادرة فرنسية أو طرح فرنسي من قبل المبعوث الرئاسي جان إيف لودريان، وطرح آخر قطري… وهي جهود ثنائية تصبّ في الهدف نفسه الذي تسعى اليه الخماسية، وهو تسهيل انتخاب الرئيس ودعمه والوقوف الى جانبه في المرحلة المقبلة، والحفاظ على أمن واستقرار البلاد. وإذا كانت هذه المسارات الثنائية تفيد للوصول الى النتيجة المتوخاة، فإنّ “الخماسية” تُشجّع عليه.
أمّا أن يقوم فريق سياسي بفرض مرشّحه على الأطراف الأخرى، فأمر استبعدته الأوساط، إذ لو كان بإمكان أي فريق فرض مرشّحه لكان فعل في إحدى الجلسات السابقة التي عُقدت لانتخاب الرئيس. ولأنّ الوضع الحالي لا يُعطي أي فريق الأكثرية المطلقة أو المقرّرة، فإنّ التوافق من أجل المصلحة الوطنية العليا يبقى الخيار الأفضل.
وفيما يتعلّق بالإطار الزمني لعمل “الخماسية”، قالت الأوساط عينها إنّه يرتبط برغبة اللبنانيين أنفسهم. فعندما ترى رفضاً منهم، أو من بعض الأطراف على أنّها لا تُقدّم له أي شيء جديد للبنان، فربما تعيد “الخماسية” عندئذ النظر في دورها، وفي أهميته وفي حركتها بالنسبة للبنانيين. وتتحول عندها الى مسارات ثنائية أخرى. ولكن ما دام هناك ترحيب واستعداد من قبل اللبنانيين للتعاون معها، فستبقى قائمة وتسعى الى تحقيق الأهداف.
وعن إمكانية انضمام إيران الى هذه اللجنة لتسهيل التوافق بين اللبنانيين، اعتبرت أنّ الأمر يتعلّق بها، وبمواقف الدول الأخرى. وأكانت انضمّت الى “الخماسية” أم لا، فإنّ أي دولة صديقة للبنان يُمكنها المساعدة في هذا المجال، عليها ألا تقف مكتوفة الأيدي، سيما وأنّ حرب غزّة فرضت واقعاً جديداً على فلسطين ولبنان ودول المنطقة. ولا بدّ للتحرّك سريعاً من أجل تسهيل انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان.