سنة وما يزيد من أيام على شغور قصر بعبدا ومعه العديد من استحقاقات دستورية ذات ارتباط بإنجاز ملف الرئاسة.
ومئة يوم وما يفيض من بدء الحرب على غزة واشتعال أكثر من جبهة خاصة جبهة الجنوب مع فلسطين المحتلة، فعملية «طوفان الأقصى» من الواضح أنها أقصت جملة استحقاقات لبنانية، أو على الأقل، وضعتها في ثلاجة الانتظار رغم حرارة الأجواء الميدانية التي باتت تستدعي ترتيب البيت اللبناني الداخلي لمواجهة تداعيات ما يحصل على حافة لبنان مع فلسطين، وما يمكن أن يتفرع عنها من اتساع لرقعة المواجهة وصولا إلى الحرب الكبرى.
هذا المسار يرى من خلاله المتابعون خطورة استمرار الفراغ من جهة واتساع المواجهة العسكرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي من جهة أخرى. فبعد تصريح رئيس مجلس النواب نبيه بري أن الملف سيشكّل شغله الشاغل، وحديث ممثلي اللجنة الخماسية عن حراك مكثّف وزيارات مرتقبة وغير ذلك. يبدو واضحا أن شيئا مما سبق لم يحصل، وأن ملف رئاسة الجمهورية لا يزال غائبا، بل ربما مغيّبا عن صدارة الاهتمامات، فمجلس النواب لا يزال في إجازته المفتوحة وإن قطعها لمرة واحدة من أجل ضمان التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، من دون أن يمارس دوره الانتخابي المفترض، والحكومة المستقيلة تواصل عقد الاجتماعات، بل تدرس إجراء التعيينات وكأن شيئا لم يكن.
في هذا الإطار، ترى المصادر المتابعة ان الأمر نفسه يسري على الحراك الخارجي، الذي يبدو هذه الأيام أسير تصريحاتٍ وتسريباتٍ لا تقدّم ولا تؤخّر، حول توافق دول الخماسية على وجوب انتخاب رئيس للجمهورية، من دون أن يحدّد موعد ثابت لزيارة أي من الموفدين، الفرنسي أو القطري، علما أن كل التقديرات تشير إلى أن مثل هذه الزيارة إن تمّت في الوقت الحالي، فلن تفضي على الأرجح إلى نتائج مغايرة لزيارات الموفد الفرنسي جان إيف لودريان السابقة.
هذه التطورات السياسية تأتي في وقت يحكى عن فتح باب المفاوضات على مصراعيه، في سياق المواجهة اللبنانية – الإسرائيلية، على وقع قرع طبول الحرب الآخذ في التصاعد في الأيام الأخيرة، مع تسجيل زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت قبل أسبوعين، علما أن أي تفاوضا من هذا النوع يتطلب وجود رئيس وفق ما تؤكد المصادر المطّلعة ليطرح السؤال مجددا عن الغاية من تغييب الرئاسة عن جدول الأعمال، ومن صحة الحديث عن أنها ليست أولوية لا للداخل ولا للخارج؟
من هنا تستشرف المصادر المطّلعة إن ما ترتب عليه العام الجديد هو مختلف لما انتهى عليه العام المنصرم، فالأولويات تغيّرت، والملف الأمني عاد ليتربع في صدارة كل الاهتمامات بعد مرحلة من التطبيع مع الحرب في الجنوب، إن جاز التعبير، وهو ما تجلّى بشكل خاص مع عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي في حركة حماس صالح العاروري، في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، وبعده القائد في المقاومة وسام الطويل، خارج نطاق منطقة الاشتباكات.
نعم لقد قرعت هذه الاغتيالات والتطورات العسكرية، معطوفة على تصاعد وتيرة العمليات في جنوب لبنان، جرس الإنذار، بل أعادت سيناريو المواجهة العسكرية إلى الضوء، بالتوازي مع احتمالات التوصل إلى تسوية بالطرق الدبلوماسية، وهو ما عززته تصريحات بعض المسؤولين في الكيان الإسرائيلي الذين رفعوا سقف تهديداتهم لـ «حزب الله» ولبنان، وصولا لحد الحديث عن نوايا بـاستنساخ سيناريو غزة في قلب بيروت.
وبالتالي يبقى الملف الرئاسي مرة أخرى رهينة الوضع الأمني ولم يعد يشكّل الأولوية حتى للجهات المهتمة خارجيا وداخليا حتى قيل إنّه غاب عن أجندة زيارات بعض الموفدين الغربيين، الذين حضروا في محاولة لتفادي سيناريو الحرب، فتركّز حديثهم مع المسؤولين الذين التقوهم عن القرار 1701 وسلاح «حزب الله» من دون أن يأتوا على ذكر الرئاسة، أو يسألوا عن الرئيس العتيد.
من هنا لا يبدو الوضع الداخلي مختلفا، فمع التصريحات والمواقف التي سجلت هذا الأسبوع، خصوصا المقايضة بين الرئاسة والأمن، فإن الواضح أن الموضوع لا يشكّل أفضلية وما يعزز ذلك غياب الإصرار على المطالبة بجلسات انتخابية، علما أنّ الموقف المعبّر في هذا الإطار، كان ذلك الذي أطلقه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله في سياق خطابه الأخير، بقوله ان لا شيء لديه حول الرئاسة وغيرها.
قد تكون من المفارقات المثيرة للاستغراب، إن لم نقل للدهشة، أن بلداً يقف على شبر حرب، كما لا يعتبر انتخاب رئيس للجمهورية، أولوية مطلوبة ولا سيما أن كثيرين بتقديرهم للمواقف المنسحبة على تطورات الساحة الاقليمية والمحلية يعتبرون ان حصانة البلد الى جانب ثلاثيته الذهبية «شعب وجيش ومقاومة» يبقى هرم القوة ناقصاً بعدم وجود رئيس على رأس السلطة في البلاد، فهل يعجّل طبول الحرب بعودة مسار الانتخابات الرئاسية الى الواجهة؟ أم أن الميدان وتداعياته قد وضع هذا الاستحقاق في أدراج نتائج المواجهة ليُبنى بعدها على الشيء مقتضاه؟!