بدا خلال الأسبوع الماضي من مسار التطورات السياسية الداخلية والعسكرية على الحدود الجنوبية، انّ المعالجات للوضعين المتعلقين بالاستحقاق الرئاسي، وما تردّد عن محاولات «تبريد» جبهة الجنوب، يسيران على خط واحد مترابط الأجزاء والأسباب من العرقلة، بإنتظار ما ستنقشع عنه مواجهات الإقليم من غزة الى البحر الاحمر مروراً بمثلث سوريا والعراق والاردن، الى اليمن، حيث انّ المشتغلين على هذين الخطين اللبنانيين، باتت لديهم اولويات اخرى أهم من الوضع اللبناني، بعد الضربات المتتالية للقواعد الاميركية وسقوط قتلى وجرحى في الجيش الاميركي، واستمرار استهداف السفن الحربية والتجارية في البحر الاحمر، عدا عن تصاعد اللهجة الحربية في الكيان الاسرائيلي حيال لبنان والإعلان عن نقل آلاف الجنود من غزة الى الجبهة في شمال فلسطين المحتلة.
ولهذه الاسباب وغيرها من اسباب لبنانية داخلية وخارجية اقليمية ودولية، لجهة العلاقات غير المستقرّة على قرار او توجّه ثابت بين الأطراف المعنية حول كل هذه الازمات، يصبح من الصعب فصل الوضع اللبناني بشقيه السياسي والعسكري عمّا يجري في الاقليم. حتى إنّ بعض الجهات النيابية اللبنانية تقول لـ «الجمهورية»: انّها لم تعد مهتمة بموضوع الاستحقاق الرئاسي بقدر الاهتمام بمتابعة ورصد مجريات ونتائج الحرب على غزة وفي الجبهة اللبنانية الجنوبية، كون ما يجري سيدفع كل الدول المعنية الى إعادة النظر بكل السياسات المتبعة حيال المنطقة برمتها لا لبنان وفلسطين المحتلة فقط.
هذا الترابط بين وضع الداخل اللبناني ووضع الإقليم، لا انفصام له في المرحلة القريبة المقبلة، لا سيما اذا استمرت اندفاعة «صقور» الكيان الاسرائيلي نحو تصفية ذيول خسائرهم السياسية والعسكرية والشعبية، باعتماد مزيد من الضغوط على كل المستويات لتصفية القضية الفلسطينية على حساب مصالح الشعب الفلسطيني والدول العربية واولها لبنان، ومن مؤشرات ذلك، وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) واستمرار الحديث عن «ترحيل» قادة حركات المقاومة في غزة وكوادرها ومقاتليها الى خارج القطاع، وعن إدارة القطاع بعد الحرب، حيث اعلن وزير الحرب يؤآف غالانت امس «اننا بعد الحرب سنحكم قطاع غزة عسكرياً وليس مدنياً». ولاحقاً عن مصير «عملية السلام» المفترضة بتجدد الطروحات حول حل الدولتين، التي يبدو انّ العاملين عليها يصطدمون بأكثر من جدار عالٍ لتحقيقها.
لذلك كله، بات مفهوماً لماذا تعمل اللجنة الخماسية العربية- الدولية على التحرّك في الوقت الضائع وببرودة برغم نار المنطقة المستعرة، عبر جولات ولقاءات مع القوى السياسية اللبنانية «بهدف استطلاع آرائها»، التي تعرف تماماً انّها لم ولن تتغيّر، ومن دون طرح اي حل واقعي حتى الآن يومّن تقارب المواقف بين القوى السياسية اللبنانية «المتمترسة» خلف تحصينات سياسية صلبة من الصعب اختراقها. لكنها حسب معلومات «الجمهورية» اكّدت خلال لقاء سفرائها بالرئيس نبيه بري امس، على ضرورة ان يكون الحل لبنانياً توافقياً، وانّ لا اسماء مرشحين لديها ولا تدعم شخصاً على شخص، بل تدعم ما يتفق عليه اللبنانيون.
ولذلك كله ايضاً، ما زال الحديث عن تبريد جبهة الجنوب يدور في حلقة مفرغة، نتيجة عجز الإدارة الاميركية وموفدها «الديناميكي مخترع الحلول» هوكشتاين، عن فرض رغبتها وافكارها حول وقف المواجهات، عبر المسعى لبدء مفاوضات تثبيت الحدود البرية، وهو الامر الذي أبدى لبنان حسن نية حياله بإعلان وزير الخارجية عبد الله بو حبيب ضرورة عقد مفاوضات غير مباشرة حول الموضوع مع الكيان الاسرائيلي، الذي لم يُقدّم لا للأميركي ولا للفرنسي اي جواب يُقنع لبنان ويُطمئنه الى ضمان حقوقه في استعادة الاراضي المحتلة، وفي الالتزام بعدم خرق القرار 1701 وفي وقف الاعتداءات على المدنيين في القرى الحدودية والتزام القرارات الدولية الاخرى، التي يضمن تنفيذ اسرائيل لها الاستقرار لها ولغيرها. لكن طبيعة هذا الكيان العدوانية والتوسعية تفرض نفسها تعطيلاً لكل الحلول ولقرارات مجلس الامن الدولي، بخاصة لجهة اعتماده على «فيتو» دائم للحليف الاميركي يمنع فرض الحلول عليها ولو بقوة القانون الدولي.