الموفدون طالبوا بفصل الملف اللبناني عن تطورات غزة.. ومخاوف إذا أخفق الحل السياسي
في موازاة استمرار تصاعد وتيرة التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان و«حزب الله»، إلا أن الجهود الدولية لا زالت مستمرة من أجل النأي بلبنان عن احتمال تمدد الصراع إلى حرب واسعة النطاق في المنطقة. وتقوم واشنطن وباريس بمساع مكثفة على هذا الصعيد، سعياً من أجل حل سياسي للتصعيد القائم في الجنوب بين «حزب الله» وإسرائيل. وبعد زيارة وزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورنيه إلى بيروت، وما سمعه المسؤولون اللبنانيون من تحذيرات بضرورة الالتزام بتطبيق القرار 1701، من أجل ضمان عدم قيام إسرائيل بالاعتداء على الأراضي اللبنانية، فإنه يتوقع أن يزور بيروت في المرحلة المقبلة كبير مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين، في سياق الحراك الذي تقوم به بلاده من أجل تعبيد الطريق أمام تفاهمات سياسية بين إسرائيل ولبنان، وسعياً من أجل تشكيل مظلة أمان تحمي لبنان، من أي هجوم إسرائيلي محتمل، إذا أخفقت المساعي الدبلوماسية بالوصول إلى حل.
وتشير المعلومات التي خلصت إليها نتائج زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية، إلى أن الأخير عبر بوضوح أمام المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم، بأنه ليس من مصلحة لبنان بقاء التوتر على حدوده الجنوبية، الأمر الذي يفرض على بيروت، الالتزام التام بالقرار 1701، لأن إسرائيل وبحسب ما أبلغه مسؤولوها، لن تقبل باستمرار الوضع على ما هو عليه على حدودها الشمالية. وأنها قد تأخذ المبادرة، بعمل عسكري، إذا لم يخل «حزب الله» منطقة جنوب الليطاني، ولا يعود يشكل تهديداً لأمنها، وبما يسمح بعودة سكان المستعمرات. وإن كان الموقف الفرنسي يعارض وبقوة أي عمل عدواني قد يستهدف لبنان. لكن في المقابل، فإن باريس ترى أن التزام لبنان بمضمون الـ1701، من شأنه أن يجعله بمنأى عن أي تداعيات ليست في مصلحته.
وبانتظار عودة المستشار هوكشتاين إلى المنطقة، في حال سارت الأمور وفق ما هو مرسوم لها، فإنه كان لافتاً ما كشفته وسائل إعلام أميركية، بأن واشنطن أبلغت إسرائيل، بأنه سيكون من الخطأ الاستراتيجي شن عملية عسكرية كبيرة ضد حزب الله»، في حين كشف النقاب، عن الولايات المتحدة تعمل مع أربعة من حلفائها الأوروبيين، خلال الأسابيع القليلة المقبلة، على بلورة تصور لإعلان عن تسوية محتملة، بين لبنان وإسرائيل، لنزع فتيل التوترات وإعادة الهدوء إلى الحدود، استناداً إلى نموذج تفاهمات «عناقيد الغضب» عام 1996 بين إسرائيل و«حزب الله» التي أعلنتها الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى، لإنهاء العملية العسكرية الإسرائيلية في لبنان في ذلك الوقت.ومن المتوقع أن تركّز هذه التسوية على التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701، الذي أنهى حرب لبنان الثانية عام 2006. وإن كانت المخاوف موجودة، من مغبة أن ترفض إسرائيل الحلول السياسية للأوضاع المتوترة في الجنوب، في سياق سعي رئيس وزرائها، لإطالة أمد الحرب، لإبعاد كأس المحاسبة عنه، والبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة.
وعلى المقلب الآخر، فإن العديد من الموفدين الأجانب، طالبوا المسؤولين اللبنانيين بالعمل على فصل الملف السياسي، وتحديداً ما يتصل بالانتخابات الرئاسية عن ملف الحرب على غزة، لكي يسهل إنجاز الاستحقاق في وقت قريب، سيما بعد بروز مؤشرات توحي بأن العراقيل ما زالت مستمرة، أمام إجراء الانتخابات في الأشهر القليلة المقبلة. وقد ظهر بوضوح أن الأجواء التي طغت على اللقاء الذي جمع سفراء المجموعة الخماسية مع رئيس مجلس النواب نبيه بري لم تكن مشجعة، لكي يستكمل السفراء جولاتهم على القيادات السياسية المعنية بالاستحقاق الرئاسي. ولهذا تستبعد قوى المعارضة، أي ترجمة قريبة لانتخابات رئاسية، قبل اتضاح صورة الوضع في المنطقة التي تشهد غلياناً غير مسبوق، لا يترك مجالاً للبحث في الموضوع الرئاسي، بعدما ربط «حزب الله» كل شيء في البلد بما يجري في غزة، واستطراداً بتطورات الأوضاع على المستوى الإقليمي. وهذا عامل أساسي، برأي المعارضين، لتوقع بقاء الملف الرئاسي على حاله من الجمود، بعد ترجيحات بإلغاء اجتماع المجموعة الخماسية الاجتماع المركزي الذي كان مقرراً عقده هذا الشهر.
وفي الوقت الذي يزداد المشهد الرئاسي قتامة، في ظل إصرار الأطراف على مواقفها، سيما «الثنائي» الذي لا يبدي تجاوباً حيال «الخيار الثالث» الذي تحرك سفراء «الخماسية» على أساسه، فإن مواقف مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، معطوفة على بيان المطارنة الموارنة، أكدت على أن انتخاب رئيس للجمهورية هو المدخل للحل. وطالما استمر الشغور فإن الأمور مرشحة لمزيد من التعقيد على مختلف المستويات. ومن هنا جاء تحذير المطارنة من المحاولات دوليا ومحليا لتمرير ترسيم مشبوه للحدود بين لبنان واسرائيل خال من اي ضمانات دولية واضحة، باعتبار أن التفاوض في هذا الشان يبقى من اختصاص رئيس الجمهورية. وتحت هذا العنوان، جاء تأكيد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، على أن رئيس الجمهوريّة يجب أن يمثّل البلد بأكمله، اذ لا مقايضات ولا تسويات على حساب لبنان وسيادته. وهذا يفرض برأي القوى المعارضة، إجراء فصل بما يتعلق بالشأن الرئاسي، عن ملفات المنطقة، لأن مصلحة لبنان يجب أن تتقدم على أي مصلحة أخرى. ولا يمكن تالياً إبقاء لبنان أسير رهانات خارجية، لا يمكن التكهن بنتائجها، طالما أن هناك من يرهن مصير البلد لأجندات خارجية على حساب مصلحة اللبنانيين.
وفي ظل عدم حصول أي تقدم نوعي، على صعيد إزالة العقبات من أمام الملف الرئاسي، فإن شكوكاً تحوم حول إمكانية عودة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت، بانتظار مزيد من المشاورات بين باريس و«الخماسية» التي كشفت معلومات، نقلاً عن بعض أعضائها، أن هناك استياء من إضاعة اللبنانيين للفرص التي كان بالإمكان استغلالها، من أجل طي صفحة الشغور وإنجاز الاستحقاق الرئاسي. وعلى هذا الأساس فإن حالة من التشاؤم تخيم على مسار عمل المجموعة، لناحية إمكانية أن يكون للبنان رئيس في المرحلة المقبلة.