يتعامل حزب الله والقوات اللبنانية مع الاستحقاق الرئاسي على أنه مؤجّل إلى إشعار آخر. غرق الحزب في حرب الإسناد لا يعني تغافله عن أوراق يجمعها رئاسياً، في مقابل حرص القوات والمعارضة على منعه من قبض هذا الثمن رئاسياً
وصل الاهتراء السياسي الداخلي إلى حد الانشغال باجتماع على مستوى الصفيْن الثاني والثالث لبعض القوى المسيحية في بكركي، لا يحمل في طياته سوى إضافة وثيقة جديدة إلى كمية ضخمة من الوثائق الصادرة عن اجتماعات مماثلة. وقد تكون الصدفة ساهمت في تقديم مشهدين مختلفين جذرياً: الأول، حزب الله في الإمارات، والثاني، اللقاء في بكركي. في كلتا الصورتين تعبير عن دورين مختلفين في عمقهما المحلي والخارجي، مع فارق أن بين حزب الله والقوات اللبنانية، المشاركة في لقاء بكركي، قواسم مشتركة تعبّر عن واقع أن الطرفين يتعاملان مع الاستحقاق على أنهما غير مستعجلَين لإتمامه، وواقعياً يدركان بأنه مؤجّل بقرار خارجي إلى إشعار آخر، لكنهما يسعيان إلى تجميع أوراقهما قبل الوصول إلى الاستحقاق، خشية الاصطدام بما يدفع إلى حصوله في لحظة تقاطع ما.لم يكن الحزب يحتاج إلى حرب غزة، كي لا يدخل في مواجهة استحقاق الرئاسة على نحو فاعل ومباشر، كما هي حاله حين يقرر السير منفرداً في ملف ما، كمثل تغطيته جلسات مجلس الوزراء أو التعيينات في الحكومة بعد رفض لأشهر لها، وفي مرتبة أعلى المشاركة في معركة مساندة حركة حماس. لكنّ الحرب أعطته أشهراً إضافية من كسب الوقت في انتظار نضوج طبخة رئاسية، يعرف تماماً أنها لم توضع بعد على نار حامية. فالأميركيون منشغلون بمنع توسع الحرب، وبانتخاباتهم الرئاسية، والفرنسيون يعملون على استبدال فشلهم الرئاسي بالدخول في أوراق حلول مؤقّتة لإيجاد صيغ تتعلق بالجنوب وشمال إسرائيل، في خطوة قد تجد مصيراً مماثلاً لمبادرتهم الرئاسية. وحزب الله مدرك أيضاً حقيقة الموقف السعودي الذي يتريث إلى الحد الأقصى في إعطاء أي إشارة إيجابية حول الاستحقاق الرئاسي. ولم تكن عبارة الحزب العلنية حول موقفه في الوقت المناسب من الحراك الجاري، لتكون أكثر تعبيراً عن واقع حال الحزب اليوم، فما أصبح معلوماً أنه أبلغ المعنيين، محلياً وخارجياً، أن أي كلام في الملف الرئاسي غير وارد قبل انتهاء حرب غزة، وهذا يعني أنه يتعامل مع المبادرات الداخلية الأخيرة على أنها تقطيع للوقت ليس أكثر، وهو هنا لا يخطئ في توصيفها. فيما ينظر إلى حراك اللجنة الخماسية على أنه إطار خارجي لديمومة خطوط التواصل، وإبقاء مظلة عربية وغربية من دون أي رهان عليها، ولا الانقضاض عليها ورفضها. لكنه، في الوقت نفسه، يتطلع استراتيجياً إلى الأشهر المقبلة التي قد تنتج خلاصات تتعلق بالحوارات الجارية بين واشنطن وإيران. وتدريجاً تصبح ثقة الحزب عالية بأنه سيحصل على الرئيس الذي يحمي المقاومة، ويعيد التمسك بمرشحه الأول رئيس تيار المردة سليمان فرنجية إذا ما ذهبت الأمور سريعاً إلى ترتيبات قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية. علماً أن هناك من حلفائه من بدأ يتحدث عن خيارات أخرى، فيضع أسماء مرشحين جدد ويشطب أسماء أخرى.لا يخطئ حزب الله بالتعامل مع المبادرات الداخلية الأخيرة على أنها تقطيع للوقت
من جانبها، تدرك القوات اللبنانية، من خلال السعودية، أن الوقت لم يحن بعد للانتخابات، وأن الاتصالات السعودية – الإيرانية لا تمسّ من قريب أو من بعيد ملف الرئاسة، الأمر الذي يجعل من السهل التعامل مع الاستحقاق من باب التمسك ببضعة مبادئ تتعلق بالآلية الدستورية، من دون إقفال الباب على أي حراك داخلي، أو خارجي في إطار اللجنة الخماسية، لكنه يبقى مشروطاً بجوهر العملية الانتخابية لا الاتفاق المسبق على اسم الرئيس. لكنّ القوات، وفي موازاة ما أفرزته حرب غزة حتى الآن، ترى أن باب الترتيبات قد يكون فُتح دولياً وإقليمياً. من هنا ارتفعت مجدداً لهجتها في شأن الاستحقاق ومرشح حزب الله، بعد فترة انكفاء عن المشهد السياسي، وأعادت في صورة متكررة التذكير ببعض ثوابتها فيه. وهنا يصبح كلام القوات معبراً لتجميع المعارضة مجدداً حول رفض أي مساومة تتعلق بالانتخابات الرئاسية، وبتقديم أثمان رئاسية لحزب الله، وخلفه إيران، في التحكّم باسم الرئيس المقبل. وإذ تستند القوات إلى موقف حلفائها الإقليميين وفي مقدّمهم السعودية، إلا أنها ترى في المقابل خشية من أن يعمد أي طرف دولي إلى تقديم تنازلات باسم هذا الفريق تعيد التذكير بمراحل سابقة. ورغم أن المشهد السياسي لدى المعارضة أصبح أكثر تفسّخاً من قبل في الشؤون الداخلية، إلا أن سقف مواجهة ما يريده الحزب رئاسياً لا يزال مرفوعاً. ولعلها الورقة الوحيدة التي في حوزة هذا الفريق، ويتمسك بها إلى الحد الأقصى، بالقيام بكل ما يلزم لمنع هذا المسار.
وبقدر ما يجمع حزب الله والمعارضة، ومنها القوات، أوراقهما، تتجدّد مرحلة انتظار كلمة السر من حلفائهما الإقليميين والدوليين. والفريقان يضعان الرئاسة الأميركية كحد فاصل تُنفّذ فيها انتخابات رئاسة الجمهورية أو يحتفل لبنان مجدّداً بسنة ثانية من الشغور.