وصل الإفلاس السياسي في لبنان إلى حد تسليم أهل القرار مفاتيح الإستحقاق الرئاسي إلى رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، لأنهم ربطوا إنتخابات الرئيس العتيد، وما قبلها من تشاور وحوار، بانتهاء الحرب المشتعلة في غزة.
وأصبح معلوماً أن نتنياهو يتمسك بخيار تمديد الحرب حتى القضاء على آخر فلسطيني في القطاع، ليس بحجة الدفاع عن أمن الدولة العبرية وحسب، بل وإيضاً، وهذا الأهم بالنسبة له، حماية مستقبله السياسي من المحاكمة والمحاسبة على التقصير الفادح لحكومته، في رد هجمة حماس في ٧ تشرين الأول الماضي على المستوطنات المحيطة بغزة.
يُضاف إلى ذلك، أن حرب نتنياهو ليس هدفها القضاء على حماس فقط،، بقدر ما أصبحت حرباً مفتوحة، ودون سقف زمني، للقضاء على حل الدولتين، الذي أعلنت واشنطن إعادة إحيائه، غداة إندلاع الحرب في غزة، ثم أخذ طريقه إلى إعتراف العديد من الدول الغربية بالدولة الفلسطينية، رغم رفض تل أبيب مجرد البحث في هذا المقترح الأميركي الأصل، والذي تتوارثه العهود الرئاسية الأميركية، منذ رئاسة ريغان في مطلع الثمانينات من القرن الماضي.
بغض النظر عن مدى المصداقية وعن حجم الجدية في الموقف الأميركي، الذي يبقى موضع ريبة وتشكيك في العالم العربي، فإن حل الدولتين بات مطروحاً على طاولة الحل الدائم للنزاع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، والاعترافات المتوالية من عواصم القرار، تدفع نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة إلى التوغل أكثر فأكثر في ميادين الحروب في غزة، وعلى حدود لبنان، بعدما أصبحت مسألة إشغال المنطقة بحرب شاملة، أحد منافذ هروبه إلى الأمام، في مرحلة تراجع نفوذ البيت الأبيض، في خضم المعركة الرئاسية المحتدمة في الولايات المتحدة الأميركية.
وجاءت ردة فعل نتنياهو الباردة،على العثور على ست جثث من الرهائن لدى حماس، ليؤكد صوابية الأصوات الداخلية، وصرخات أهالي الإسرائيليين المحتجزين في أنفاق غزة، التي تتهم نتنياهو بالتضحية بحياة الرهائن، وعرقلة محادثات الهدنة، المتنقلة بين القاهرة والدوحة، من أجل تمديد أمد الحرب، دون تحديد الأهداف الإستراتيجية التي يسعى لتحقيقها.
المفارقة أن قيادة الجيش الإسرائيلي، وقادة الأجهزة الأمنية، ومسؤولون عسكريون سابقون، يحذرون من مخاطر تطويل الحرب، أو فتح جبهات جديدة، سواء في الشمال، أو حتى في الضفة، لأن الجيش في وضع غير قادر على كسب تلك المعارك في حال خوضها،قبل أن يُعيد تنظيم صفوفه، وزيادة العديد لإثنتي عشرة كتيبة على الأقل.
وهي من المرات النادرة التي يظهر فيها الخلاف بين المستوى السياسي والقيادة العسكرية بهذا الشكل الفاقع، والذي إتخذ طابع التصريحات والتحديات العلنية في الإعلام الإسرائيلي، الأمر الذي يؤكد عمق الشرخ الذي تعيشه الدولة العبرية، على المستويين القيادي السياسي، وعلى مستوى قادة الوحدات العسكرية على الأرض.
وإزاء هذا الوضع الإسرائيلي الذي يعاني من حالات الإنقسام والإهتراء، ويهدد بإيصال المنطقة إلى وضع دراماتيكي متهور..، كيف يمكن للساسة اللبنانيين أن يربطوا مصير البلد وإنهياراته المتشابكة، بمغامرات نتنياهو، الذي يلعب على حبال الإنتخابات الرئاسية الأميركية، وإحتدام المعركة بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري.
من المحزن فعلاً أن الأطراف السياسية والحزبية اللبنانية، لا تُقيم وزناً لعامل الوقت الذي يستهلك ما تبقَّى من مقومات الدولة، ويؤدي في الوقت نفسه إلى تراكم الأزمات والمشاكل التي تصبح أشد تعقيداً، ومعالجتها أشد صعوبة.
لقد أثبتت جولات سفراء الخماسية إستحالة الوصول إلى الإنتخابات الرئاسية إذا لم تبادر الأطراف السياسية والكتل النيابية إلى الحوار في ما بينها، للتوافق على آليات تجاوز الخلافات الراهنة، والإقدام على تنازلات متبادلة، تؤدي إلى نزول كل طرف عن الشجرة، بعدما أصبح العديد من الفرقاء السياسيين أسيري مواقفهم الجامدة، والتي أدت إلى تعطيل الإستحقاق الرئاسي منذ حوالي السنتين.
وثمة معلومات أن سفراء الخماسية ليسوا على عجلة من أمرهم لإستئناف لقاءاتهم مع القيادات السياسية، إذا لم يشعروا مسبقاً بأن الأجواء أصبحت أكثر ملاءمة للتوصل إلى تسوية، تؤدي إلى فتح أبواب قصر بعبدا.
الكرة في ملعب الأطراف اللبنانية، للمرة الألف، ولا أحد يتوقع أن يكون أي طرف لبنانياً أكثر من اللبنانيين، الذين يستنزفون البقية الباقية من طاقات بلدهم، في خلافات عقيمة، ولا طائل منها، غير هدر المزيد من الفرص!