من المتعارف عليه في علم السياسة أنه بعد كل إستحقاق (سياسي – أمني – اقتصادي – إجتماعي) تبدأ ما يُعرف بـ«لعبة التوازنات» لتشكيل قوة معيّنة ضاغطة، وهذا أمر بديهي معروف عندما تسود حالات من الضبابية السياسية – الأمنية، حيث تبدأ عند توزيع المغانم بعد تخطّي مرحلة الإتفاق على المغانم. إنّ ما يحصل اليوم من توازنات على الساحة اللبنانية وتزامناً مع الحرب المستعرّة على الساحة اللبنانية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالإنابة ودولة إسرائيل يشي بأنّ الأمور على مستوى الإستحقاق الرئاسي ذاهبة بإتجاه التأجيل والمماطلة وفرض شروط تعجيزية من شأنها إعاقة إتمام هذا الإستحقاق في المدى المنظور.
ما نقوله ليس بالأمر المخفي حيث الوقائع تُشير إلى ما نحن نوصفه من خطورة الأحداث القائمة والتي باتت تعطِّل أي مسعى محلي – إقليمي – دولي من أجل إعادة إنتظام المؤسسات الحكومية ولو بالحـد الأدنى. الأمر جدّ خطير ودقيق ووفقاً لدراسة أكاديمية وثّقناها عبر مركز الأبحاث PEAC، هناك العديد من التأويلات وكثير من الاجتهادات وعدم التوازن على المسرح السياسي اللبناني بين كل الأطراف، حيث من المفترض على الأكاديميين الدخول على هامش أي تحرك لمعالجة الأزمة الرئاسية المستفحلة والتي تتطلب حسماً إنطلاقاً من مبدأ «إدارة الفراغ بالتي هي أحسن».
وفقاً للمعطيات القائمة هناك شبه إستحالة في التوافق على إسم لرئاسة الجمهورية، وبالتالي على المتعاطين في الشأن السياسي والذين يتمتعون بهامش معيّن من الحرية سواء أكان في إبداء الرأي أو على مستوى العلاقات المحلية والإقليمية والدولية التفتيش عن حل لأزمة الفراغ والتي إن طالت ستطفو على كل المراكز الرسمية في الجمهورية اللبنانية. إنّ المطلوب اليوم دراسة عن واقع الشغور في مؤسسات الجمهورية اللبنانية وألا تكون شكلية كلاسيكية والغاية من كل ذلك حُسن تقدير الواقع السياسي العام والتوازنات القائمة في البلاد. كما معرفة الآلية الدستورية التي من الواجب أن يسلكها الباحث في التفتيش عن حل إنتقالي للأزمات في لبنان.
إزاء هذا الواقع المزري يجب على مراكز الأبحاث وكل الأكاديميين أن يتوافقوا على شبه حل يتضمن بشكل ضمني يستند إلى خطوات إصلاحية سيادية أمنية مدروسة وعلى خلق أداء سياسي يعتمد على الموضوعية السياسية البعيدة عن التشنّجات والعمالة والمصالح الخاصة. إنّ أزمة الفراغ بدءاً من مقام رئاسة الجمهورية بدأت تهدِّد السلم المحلي والإقليمي والدولي، وهذه القضية أصبحت تحدّياً خطراً يواجه العملية السياسية في الجمهورية اللبنانية ومع إستفحال التوافق من قبل النواب الحاليين على إنتخاب رئيس جديد للجمهورية لا بُــدّ من التفتيش عن حل بإمكانه إعادة الإنتظام للعمل السياسي في لبنان.
لأجـل الحفاظ على ما تبقّى من دولة ومن أجل شعب لبنان الذي يُعاني من مرارة الأداء السياسي وعقمهم، ولكثرة الفجوات التي إتسعتْ كثيراً بين المكونات السياسية اللبنانية، إنّ مشكلة الفراغ في مقام رئاسة الجمهورية أصبحتْ تشكّل تحدّياً مصيرياً وخطراً يواجه المؤسسات الرسمية، فمن طبيعة الأنظمة التي تعتمد الحلول المنطقية ومن أجل الحفاظ على خصوصية المجتمع اللبناني على مراكز الأبحاث التفتيش عن حل يُنهي أزمة الفراغ في مقام رئاسة الجمهورية.
بصفتي باحث أكاديمي وعضو في مركز PEAC، ومن أجل المحافظة على وطن شلّعته المصالح الخاصة من قبل هذه الطبقة السياسية لا بُـدّ من ترسيخ مفهوم الدولة المتطورة وإستناداً للتوازنات المحلية الإقليمية الدولية بات الإستحقاق الرئاسي في مهب الريح وبالتالي بات علينا التفتيش عن «النظام الإنتقالي» عبر قيام حكومة إنتقالية تكون وليدة منسجمة مع الأُسُس الدستورية التي لا غنى عنها والتي يسودها حكم القانون ومصلحة الدولة والشعب… هل هناك من يعي مغزى ما نكتبه؟!