IMLebanon

شغور القيادة: هلعٌ على الجيش أم بيدقٌ رئاسي؟

 

 

 

عوض ان يستعيد الاستحقاق الرئاسي انفاسه مجدداً في المرحلة الاستثنائية الحالية في الداخل وفي المنطقة تحوطاً من الاخطار المقبلة، دلف السجال المحلي الى مشكلة لم يحن اوانها وليست مصدر اقلاق مستجد، دونما ان تقل اهمية: ماذا ينتظر الجيش بعد احالة قائده الى التقاعد؟

 

غالب الظن ان الوقت لا يزال مبكراً قليلاً، شهرين على ما يُفترض ان يحضر في 10 كانون الثاني 2024، في مرحلة تقاس بالساعات والايام لا بالاسابيع والاشهر من وطأة المفاجآت والنزاعات المفتوحة. مع ذلك، شأن ما رافق الشغور الرئاسي حتى عشية 7 تشرين الاول مع اشتعال حرب غزة، تمترس الافرقاء بأسلحتهم وحججهم وفيتواتهم وراءه.

 

الشغل الشاغل في الايام الاخيرة سباقٌ محموم غير مبرر بين مَن يستعجل تمديد بقاء قائد الجيش العماد جوزف عون في منصبه، ومَن يستعجل تقاعده. هو نفسه الاشتباك بدأ عام 2013، في السنة السابقة لنهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان، بين قائل بتأجيل تسريح القائد السلف جان قهوجي وقائل باستعجال مغادرته اليرزة.

كانت البلاد آنذاك في احوال استثنائية اقل وطأة ربما مما يدور الآن وان بأبعاد اقليمية مماثلة، لكنها كذلك على الوضع الداخلي: اشتعال الحرب السورية وتداخل الاضطراب الداخلي في لبنان معها وتضاعف النزوح اليه. ارجىء تسريح قهوجي حتى عام 2017 ثلاث مرات، في خلالها دخل عامل الارهاب المتطرف في عرسال في صلب الحجج المبررة لتأجيل التسريح. المشكلة نفسها تستعاد اليوم على ابواب بلوغ القائد الحالي سن التقاعد في ظروف اكثر سوءاً.

 

حينذاك ضمر تأجيل التسريح رفض فريق ما كان يطالب به فريق آخر، وهو تعيين خلف لقهوجي هو العميد شامل روكز. اليوم يُراد من تأجيل تسريح عون ترجيح الكفة في انتخابات رئاسة الجمهورية. آنذاك، كما الآن، يُستخدم قائد الجيش بيدقاً في النزاع الدائر من حول انتخاب رئيس للجمهورية، تارة بطرحه مرشحاً وطوراً للحؤول دون وصول مرشح سواه. للمفارقة ان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي كان نفسه في جزء من حقبة 2013 قبل ان تخلفه حكومة الرئيس تمام سلام باصراره على تأجيل تسريح قهوجي. موقفه ذاك، كموقفه اليوم، يدعم تمديد بقاء القائد كي لا يخلفه قائد يسميه التيار الوطني الحر او يملأ المنصب بسابقة غير مألوفة، كتعيين اعلى الضباط رتبة واقدمية قائداً موقتاً يسيّر اعمال الجيش.

ولأن لكل مرحلة حججها وتبريراتها وان من دون ان يتغير رجالاتها، يستعاد في السجال الحالي الكثير مما دار آنذاك من غير ان يفضي بالضرورة الى النتائج نفسها.

 

نطاق الاختصاص: التمديد في البرلمان، تأجيل التسريح عند الوزير، تعيين الخلف في مجلس الوزراء

 

امام بقاء القائد الحالي للجيش في منصبه سنة اضافية، بابان يقتضي اختيار طريقة الدخول من احدهما. في ما مضى كان الراحل جان عبيد يقول انه يدخل من الابواب المفتوحة لا من تحت الابواب. ما يثار اليوم هو سبل المرور من تحت الابواب:

1 – امام مجلس النواب اقتراح قانون بتمديد ولاية عون تقدمت به كتلة حزب القوات اللبنانية. بالتأكيد اوصد الرئيس نبيه برّي الباب دونه وهو ما بات معلوماً. اما غير المعلوم بالنسبة الى الاقتراح ذاك او مشروع قانون قيل ولا يزال ان حكومة تصريف الاعمال قد تكون في صدد احالته الى المجلس – اذا تمكنت – بغية تمديد استمرار القائد الحالي، فهو ان دون كليْهما عقبات فعلية:

– لن يدعو رئيس المجلس الى جلسة التصويت على اي منهما ما لم يكن خامس البنود على الاقل في جدول اعمال اكثر استفاضة، يتناول مشاريع قوانين اصلاحية اقتصادية ونقدية يصير الى التصويت عليها اولاً. بعدذاك يُطرح الاقتراح او المشروع. ليس التمديد لقائد الجيش اقل اهمية من المشاريع المعلقة تلك منذ بدء شغور الرئاسة الاولى بفعل مقاطعة التئام المجلس بذريعة انه هيئة انتخابية ليس الا.

 

– ما ان يُسلّم الافرقاء الذائعو الصيت بالمقاطعة بحق البرلمان في الاشتراع في اي وقت وفي اي جلسة في معزل عن انتخاب الرئيس – وهو حق مطلق – يصبح في الامكان التسليم في المقابل بما يطلبونه. حَالَ هؤلاء اكثر من مرة دون اكتمال النصاب القانوني للجلسات بالذريعة تلك، الى ان ارتأوا اخيراً ان في وسع المجلس الاشتراع استثنائياً وان في ظل الشغور لبند وحيد في جدول اعمال يقررونه عن هيئة مكتبه.

– يريد برّي منهم وهم يعترفون بحق المجلس في الاشتراع في كل حين، تأكيد حقه في تحديد مواعيد جلسات انتخاب الرئيس بدحض ما كان يثار دائماً ان البرلمان في انعقاد دائم للانتخاب دونما الحاجة الى تحديد موعد من رئيسه. لا يقف تعذّر انتخاب الرئيس في طريق ممارسة البرلمان صلاحياته الدستورية، وليس انعقاده سبباً مباشراً لاستمرار تعطيل الانتخاب.

2 – حال مجلس الوزراء لامرار التمديد اسوأ حظاً. معضلتاه اثنتان تكمل احداهما الاخرى: ان يملك اولاً صلاحية تمديد سن تقاعد قائد الجيش او لا يملكها، وان يتوافر لديه النصاب القانوني لاجراء كهذا:

– تبعاً لقانون الدفاع الوطني يحال قائد الجيش برتبة عماد الى التقاعد عندما يبلغ الـ60. من دون تعديل القانون في مجلس النواب وفتح سقف السن على غرار قانون 1995 عندما رفعها ثلاث سنوات اضافية استثنائياً حينذاك للعماد اميل لحود، يصعب اتخاذ اي اجراء يناقض مضمون القانون الملزم الاحكام.

 

ـ الخيار التالي لبقاء القائد في منصبه ما لم يُتح تعديل سنه القانونية للتقاعد في قانون الدفاع الوطني هو تأجيل التسريح بقرار يصدره وزير الدفاع، الصعب المنال في ضوء الموقف المسبق للوزير ومرجعيته السياسية وهي التيار الوطني الحر من قائد الجيش. مؤدى ذلك استمرار الرجل بإحدى حالتين فقط ثالثتهما هي نقيضهما: تمديد من خلال البرلمان او تأجيل تسريح من مكتب الوزير. اما ما يملك مجلس الوزراء ان يفعل، فليس سوى تعيين قائد جديد للجيش تبعاً للآلية المنصوص عليها في المادة 65 في الدستور.

– من دون تعديل فقرة السن القانونية للتقاعد في قانون الدفاع الوطني، ما يتخذه مجلس الوزراء سيُعد عديم الوجود وباطلاً (inexistant) وليس مخالفاً للقانون فحسب. القانون يتقدم المرسوم سواء صدر بغالبية الثلثين او بالاجماع حتى. توافق النائب جبران باسيل مع النائب السابق سليمان فرنجيه على رفض التمديد لعون وضع بين يديهما وحليفيهما الثنائي الشيعي النصابيْن على السواء.

ـ مقدار ما ناط الدستور بمجلس الوزراء في المادة 65 تعيين موظفي الفئة الاولى، وهو ما يُصنّف قائد الجيش في خانتها ويكرّسه «جدول تماثل الرتب العسكرية وفئات الوظيفة العامة»، الا ان تأجيل تسريح الضابط منصوص عليه في قانون خاص هو قانون الدفاع الوطني قصر الصلاحية على الوزير المختص.

 

– عملاً بالمادة 66 في الدستور يناط بالوزراء «تطبيق الانظمة والقوانين كلٌ في ما يتعلق بالامور العائدة الى ادارته وما خص به». الوزير رئيس حقيبته، وليس لمجلس الوزراء ان يكون وصياً عليها وعليه، ولا ان ينتزع اختصاصاً من صاحب الصلاحية وايكالها الى نفسه.