اقتراح تكليف اللواء عباس ابراهيم، كموفد رئاسي لتنسيق عودة النازحين السوريين، مع السلطة السورية، يبدو، انه صح، في محله الصحيح، من حيث الحماية السياسية للحكومة المهددة بالإنقسام، او من حيث الموضوعية الأمنية، فمشكلة النازحين، أمنية في سوريا، وأمنية مرشحة لأن تغدو سياسية في لبنان…
هذا الحلّ الوسط، يفترض أن يرضي الفريق الرافض للتنسيق السياسي مع الحكومة السورية، ولا يغضب الفريق الآخر المتمسك بالتنسيق مع النظام الذي قاتل من أجله، خصوصاً وأن طروحات كلا الطرفين، غلبت عليها النكاية، وليس القناعة، تسجيل المواقف لا تنفيذ الأفعال، تسديد الفواتير السياسية، لا تنفيس الإحتقانات الوطنية.
والدليل، ان إصرار السفير السوري علي عبد الكريم علي على رفض الوساطة مع لبنان لحل أزمة النازحين، بل التواصل الرسمي لحل هذه الأزمة التي تهدّد لبنان يعكس اقتناع النظام بأن ورقة النازحين تشكل حالة ضاغطة على الوضع اللبناني، وعليه معالجتها بالشكل الذي يلائمه، ولا داعي للإستعجال..
أما الفريق الرافض مفاوضة النظام على خلفية عدم الإعتراف بشرعيته، فهو يصرّ على هذه المفاوضة من خلال الأمم المتحدة، فيما منسقة الأمم المتحدة ونائبها في لبنان، يشترطان العودة الطوعية الآمنة للنازحين، وهما يريان ان أسباب النزوح لا تزال موجودة وشروط العودة لم تتأمن، بدليل غياب أي إتفاق سياسي بهذا الشأن.
وهكذا الفريق الداعي للتنسيق عبر الحكومة اللبنانية، يريد من الحكومة ان تقوم بما لا تستطيع القيام به، في ظل التركيبة الحكومية الحاضرة، والفريق الداعي للتنسيق عبر الأمم المتحدة، يريد أن يكلف المنظمة الدولية، بما ليست مقتنعة بامكانيته او بجدواه الآن، في ظل غياب الاتفاق السياسي الواضح والمضمون.
بعض الاوساط يعتقد ان مثل هذه الطروحات قد تصبح اكثر جدية وقابلية، بعد انتهاء معركة الرقة المتنازع عليها، من جهات عدة، فالاميركي يريد الرقة للاكراد الذين كبّروا حجرهم كما يبدو، لا يريد الاكراد في الرقة لحساباته الذاتية، والنظام السوري يريد ان يكون السبّاق الى الرقة، ليفوز بشرف الاجهاز على داعش، لذلك لا يتردد في ضرب القوى الضاربة لداعش، عند الحشرة…
ووسط هذه الدوامة، تبقى العين على عرسال وجرودها منذ العملية الاستباقية الاخيرة للجيش، والتي كشفت عن وجود انتحاريين، فجر اربعة منهم انفسهم بوجه القوة العسكرية المداهمة، ما اوقع الى جانب الاصابات، العديد من التوقيفات، التي انتهت بتحقيقات وافراجات ووفيات، اثارت القلق والريبة، ما استدعى بيانات ومواقف رسمية بالتوضيح والتفسير والاستعداد للرد على كل سؤال مع تأكيد الخلفية المرضية لمن قضوا.
المصادر المتابعة تخشى ان يؤدي تعقيد الاتصالات بشأن النازحين الى المزيد من الضغط على الاستقرار الامني، من قبل من يعتقدون ان اصبع لبنان تحت اسنانهم، لكن المراجع الامنية المعنية تبدو واثقة من سيطرة الافواج الحدودية الاربعة المنتشرة على السلسلة الشمالية والشرقية على الوضع، وتقول هذه المراجع ان في عرسال وجوارها ١١٠ مخيمات جميعها ضمن بقعة سيطرة الجيش، الا مخيما واحدا، خارج المدى المباشر، لكن اذا كان الدخول الى ذلك المخيم الخلفي سهلا على من يقصده من المسلحين ، بيد ان الخروج منه باتجاه بقعة السيطرة العسكرية، مرصود باحكام…
وثمة من يطرح علامات استفهام حول تحريك ملف عودة النازحين الان، فيما صورة الحلول السياسية لم تتبلور والنازحون قاعدون على بلواهم في الجرود، فهل من يعتبرهم عائقا في طريق؟
جوابا تقول المصادر، ان وجود نحو اربعماية الف نازح سوري في البقاع، بينهم مئة الف في عرسال وحدها، بدأ يخلق مشاكل امنية واجتماعية، حيث هم متواجدون، وبالتالي لا مندوحة من تحفيز رغبة العودة لديهم، شرط الا تكون العودة مجرد انتقال من مخيم الى سجن، كما يقول الوزير مروان حمادة، وربما كان هذا ممكنا، قبل التسليم الدولي بالمناخات السورية الامنة مؤخرا.