Site icon IMLebanon

الفشل الرئاسي

د. قصي الحسين

يعاني لبنان اليوم من الفشل الرئاسي. قلّما نعثر على مثل هذا النوع من المرض في الدول الأخرى. فالرئاسة في لبنان، لا تنعقد لرئيس، إلّا وفق الميثاق والدستور والقانون المرعي الإجراء، ولهذا تتعقّد الأمور كثيرا، بحيث يستحيل أن تجتمع كل هذه الشروط، في لحظة واحدة، وعلى شخص واحد، فالهامش عظيم جدا للتهرّب الرئاسي، ولتهريب الرئاسة والرئيس.

فلبنان يضم أكثر من 17 طائفة دينية معترف بها رسميا، ولها جميعها، تمثيلها في البرلمان، وفي كتل برلمانية. وإجتماع ثلثي المجلس النيابي، أثناء الدورة الإنتخابية، لمما يعجز البرلمان، على الحسم بالسرعة المطلوبة، لإنتخاب رئيس، إذ يكثر المناورون، ويكثر المتسابقون، وتكثر الكتل، التي لها مصالح لإنتخاب رئيس منها. ويكثر التدخّل الخارجي، بإعتبار أن معظم، إذا لم نقل: إن جميع الكتل البرلمانية، لها إمتدادات خارجية مسكوت عنها. وهذا التضارب والتعاكس، بالإضافة إلى شد الحبال، إلى هذا الطرف أو ذاك، يحول دون إتمام العملية الديمقراطية، في إنتخاب رئيس.

لم يحصل في التاريخ الرئاسي للبنان، أن تقارب القانون مع الميثاق والدستور، لإنتخاب رئيس ضمن شروط اللعبة الديمقراطية، بل كانت دائما، هناك فجوات، وهناك تباعدات، وهناك خروقات، تفرض على أهل البرلمان، إستمراء الخارج، وإستدرار عواطفه، وطلب النجدة منه، لإنجاز الملف الرئاسي.

كان الملف الرئاسي دائما، ملفتا بالبنود وبالقوانين وبالشروط والشروط المقابلة. وكانت الغاية من كل ذلك، هي الركون أخيرا للعملية التوافقية.

والسؤال الملحاح اليوم وغدا: كيف يمكن الذهاب إلى الإنتخابات الرئاسية، بآلية ديمقراطية، وبروح توافقية في آن؟!

يصعب على اللبنانيين، فهم هذا النهج الذي إستنّه لبنان لنفسه، وجعله في قوانينه وفي ميثاقه، وفي دستوره، دون أن يقول صراحة: إنه ليس أمام اللبنانيين، إلّا الديمقراطية التوافقية.

غير أنه لم يخطر على بال أي كان، في أي زمن من الأزمان، أن تنقلب اللعبة السياسية على نفسها، لتصير أسيرة النهج الديني المستقوي بنفسه، والمتوحد على نفسه، ولا يقبل المشاركة في قراراته، من خارج الجدران الطائفية التي أقامها.

لبنان يمرُّ اليوم في البرزخ الصعب، إن لم نقل الأصعب. فالاستقواء السياسي بالطوائف، لمما يعقّد الأمور، أكثر مما يساهم في حلحلة عقدها، وهناك أكثر من طائفة قامت بردّ «الجميل السياسي»، إلى أصحاب الحل والعقد في الطائفة. وصار لبنان بذلك، أسير لعبة ديمقراطية غير نافذة. يتبنّى الديمقراطية، ويمارس الثيوقراطية، وهذا ما يشعر به جميع المهتمين بالشأن الرئاسي، فما بالكم، إذا ما عادت الأحزاب السياسية، وإحتمت بسلاحها خلف طوائفها، وصار من الصعب جدا أن تذهب إلى العملية الديمقراطية البحتة، بلا إستقواء، لا بالطائفة ولا بسلاحها.

يعيش لبنان اليوم أحلك أيامه الرئاسية، بل أسودها وأشدّها ظلمة وظلامية. ويفرض عليه، بل يلحّ عليه الملف الرئاسي، أن ينبري للعملية الإنتخابية الرئاسية، بجهوزية كاملة، غير أننا نراه كل يوم، يواجه عثرة في الطريق، كثر العثار عليه وقلّت الحلول. وهو اليوم يعاني من الفشل الرئاسي، كما يعاني الشخص من فشل الكبد أو القلب، وليس أمامه، إلّا التوافق على الرئيس، أو الدخول في عصيان مدني. وأما التوافق فمدخله الحوار. وأما العصيان، فمدخله شائك وطويل. واللبنانيون، ومعهم جميع الأطراف الخارجية، ينتظرون على أحرّ من الجمر، حتى يروا إِلَام تؤول الأمور الرئاسية، التي هي أشدّ وأفتك، من هذه الزلازل، ومن هذه الحرائق، ومن هذا الطوف والطوفان الذي نشهده في العالم الآن!

 

* أستاذ في الجامعة اللبنانية