بعد الدخول في الهدنة الإنسانية لحرب غزة، عاد الاستحقاق الرئاسي والتمديد لقائد الجيش ليشكلا مادة النقاش الأولى في الوسط السياسي، فالإنتخابات الرئاسية تحتل أولوية بعد ان دخل الفراغ في بعبدا عامه الثاني و”علق” في حرب غزة منذ ٧ تشرين ولا يزال، فيما التمديد للقيادة العسكرية يترنح بين القوانين والسجالات الداخلية.
وعلى الرغم من انشغال الدول المؤثرة بالاستحقاق الرئاسي بمسار الحرب، مما وضع لبنان خارج أولويات هذه الدول لبعض الوقت، عاد الاستحقاق الى دائرة الإهتمام المحلي مع عودة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الرابعة الى بيروت بعد يوم غد، وسط حالة من التشكيك بإمكانية وصول المسعى الفرنسي لتحقيق اختراق رئاسي، في ظل المراوحة واستمرار التجاذبات على حالها، وقد سجل دخول بكركي على الخط الرئاسي في عظة يوم الأحد، حيث حذر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من المس بوحدة الجيش واستقراره، واعتبر ان المادة ٤٩ من الدستور تنص على ان رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، متسائلا كيف يجتهد المجتهدون لتعيين قائد للجيش وفرضه على الرئيس العتيد، داعيا للاحتكام الى الدستور وانتخاب رئيس فتحل مشكلات الدولة.
موقف بكركي وعودة لودريان اعادا الى الواجهة الملف الرئاسي، فالهدنة الانسانية في غزة التي انسحبت على الجبهة الجنوبية، حتمت العودة الى الملف الرئاسي مع الحديث عن مهمة لودريان، التي برأي عدد من القوى السياسية لها أوجه رئاسية وسياسية مهمة، لتعزيز وبناء الثقة بالدور الفرنسي والمهمة الفرنسية الرئاسية، مع احتمال ان يحمل لودريان معه نصائح الى لبنان بعدم الدخول في الحرب الواسعة والشاملة.
تأتي عودة لودريان مع التساؤلات المطروحة في الأوساط السياسية عن لبنان ما بعد الحرب وانعكاساتها على الملف الرئاسي والتوازنات بعد انتهاء العمليات العسكرية، خصوصا اذا انتهت الأمور الى تسوية ما، ووفق مصدر سياسي فان جزءا اساسيا من مهمة لودريان اليوم تقوم على التواصل مع كل الأطراف، ومحاولة التوفيق بين القوى السياسية للاتفاق على اسم رئاسي توافقي.
مع ذلك، ثمة من يربط في لبنان بين حرب غزة وحسابات الإنتخابات الرئاسية، باعتبار ان حصول تسوية في غزة سينسحب حتما على لبنان بانتخاب رئيس جمهورية اولا وانجاز إصلاحات ووقف الانهيار. وبرأي فريق سياسي ان انتصار المحور القريب من المقاومة من شأنه تعزيز موقع هذا الفريق في المعادلة الرئاسية المقبلة، بحيث يكون الرئيس من المحور الذي يربح الحرب .
وتربط مصادر سياسية عودة الموفدين الدوليين بالاستحقاق بعد فترة من التراخي والمراوحة وتوقف المبادرات، وبعد حركة انفتاح في الداخل بين القوى السياسية عبر زيارات لعدد من السياسيين الى خصومهم السابقين. وقد أتت اطلالة الوزير السابق سليمان فرنجية الأخيرة وسط معركة غزة لتنعش الاستحقاق، فرئيس “المردة” محسوب على محور المقاومة، وهناك رابط قوي بين الانتخابات الرئاسية والوضع في غزة اليوم وما بعد الحرب، الأمر الذي يمكن ان يرفع أسهم فرنجية انطلاقا من الرأي القائل ان الرئاسة تمر عبر طريق غزة .
لكن بالنسبة الى المعارضة لا يمكن زج ما يحصل في غزة بالسياسة المحلية الضيقة وفي موضوع الإنتخابات الرئاسية تحديدا، فما بعد الحرب هناك تغيير سيطال خريطة المنطقة وتحولات سياسية وجغرافية، وبالتالي فان نتائج الحرب لن تقتصر على عناوين صغيرة .
وتعتبر المعارضة ان الدول الكبرى مهتمة فقط بملف حرب غزة، مما يجعل الاستحقاق الرئاسي معلقا في جزء أساسي على الحركة الداخلية فقط، إلا ان المخزي في الموضوع ان الانقسامات السياسية لم تتبدل مع استحالة حصول توافق حول الرئاسة، فلا يمكن الإتيان برئيس ضد حزب الله او رئيس يريده الحزب ضد الافرقاء الآخرين وسط التوازن الذي يسيطر على المشهد في المجلس النيابي، كما ان الانقسام المسيحي العامودي في الخيارات يمنع ايجاد ديناميكية مسيحية يمكنها لعب دور فاعل في الانتخابات، فالقوى المسيحية منقسمة بين فريق يسعى لفرض مرشح محدد، وفريق لا همّ له الا اقصاء قائد الجيش ومنعه من التمديد وقطع الطريق الرئاسي امامه، ومعارضة مشرذمة من دون أفق ولا دور سياسي فعلي لها.