Site icon IMLebanon

لبنان على قارعة تسويتين: رئاسياً وجنوباً

 

 

ما زال لبنان، بعد أكثر من عام على الشغور في سدة رئاسة الجمهورية، على قارعة انتظارَين: إنتظار توافق داخلي صعب جداً، برغم زخم الضغط الخارجي، على كل آليّات العملية الانتخابية لجهة نصاب جلسة مجلس النواب وتوزيع اصوات النواب وحسم الخيارات حول المرشحين واولويات الرئيس العتيد. وانتظار توافق دولي وإقليمي صعب ومتأخّر ايضاً، على تسويات ما بعد حرب غزة التي طال طوفانها لبنان وألحَقَ خسائر بشرية ومادية كبيرة على جانبي الحدود مع فلسطين المحتلة.

وبين الانتظارين الداخلي والخارجي ثمة تصفية حسابات تجري بالنار في الاقليم من اليمن الى سوريا مروراً بالعراق لفرض شروط وتثبيت معادلات وتحقيق مكاسب، لذلك ترتبط أي تسوية لبنانية بالتسويات الاقليمية التي ستجري تباعاً وبحسب الاولويات. وبما انّ وقف الحرب التدميرية للبشر والحجر والتهجيرية الاسرائيلية المُمنهجة ضد الفلسطيين ما زال مرتبطاً بتحقيق اي مكسب لحكومة نتنياهو، فإنّ امتداد المواجهات، ولو مَضبوطة الايقاع مع بعض التفلتات احياناً، سيبقى قائماً في جبهة الجنوب اللبناني، ما يُشَتّت الجهد الخارجي حول إنجاز الاستحقاق الرئاسي وربما يُضعفه ويؤخّره أكثر الى شهر شباط في أفضل الحالات إن لم يكن لِما بعده، بحسب ما تقول مصادر نيابية متابعة لـ»الجمهورية».

 

وفي رأي المصادر المتابعة انّ الوضع الاقليمي المتفجّر، ومحاولة اسرائيل عبر الوسيطَين الاميركي والفرنسي فرض شروط على لبنان وعلى «حزب الله» بشكل خاص تتعلّق بمرحلة ما بعد حرب غزة وترتيب الوضع الجنوبي الحدودي بما يلائمها، سيزيد الى حدٍّ ما مِن تصلّب الاطراف الداخلية اللبنانية والتشدد في اختيار الرئيس العتيد للجمهورية كلٌّ حسب ارتباطه بالخارج، وفقاً لما حمله الموفدون الفرنسيون من ضرورة الاستعجال في انتخاب الرئيس ليكون لبنان شريكاً وحاضراً في أي مفاوضات إقليمية لوقف التوتر في المنطقة ورسم الخرائط والمعادلات الجديدة من غزة الى جنوب لبنان واليمن وسوريا والعراق.

 

وعلى هذا، بَدا السباق قائماً بين التوافق الداخلي على انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس للحكومة وتشكيل الحكومة وبرنامجها، والتوافق الخارجي على تسويات المنطقة التي يُفترض ان تشمل جبهة الجنوب بالتوازي مع جبهة غزة. ولذلك سيعمل الموفدان الفرنسي جان إيف لو دريان والاميركي آموس هوكشتاين في زيارتيهما المرتقبتين الى بيروت منتصف الشهر الحالي، بالتوازي على حل معضلة الرئاسة عبر البحث عن توافقات داخلية، وحل توترات الجنوب عبر مقترحات تثبيت الحدود البرية، التي لن يقبل لبنان بانطلاقها إلّا من النقطة البرية «بي 1» عند الناقورة وصولاً الى تخوم جبل الشيخ ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا المحتلة وخراج بلدة الماري (القسم اللبناني من بلدة الغجر).

 

وقال مصدر نيابي متابع ومقرّب من السعودية لـ»الجمهورية»: انّ لودريان موجود أصلاً في الرياض بحُكم وظيفته الجديدة للتنسيق مع السلطات السعودية كرئيس «لهيئة تطوير مشروع العلا السياحي»، ومن الطبيعي ان يلتقي كبار المسؤولين السعوديين للبحث معهم في الملف اللبناني، معطوفاً على تنسيقه الدائم مع قطر، المُرتقب ايضاً ان يقوم موفدها جاسم بن فهد آل ثاني بزيارة بيروت في مهمة جديدة حول الاستحقاق الرئاسي حاملاً كما يتردد مشروعاً رئاسياً متكاملاً بالأسماء، بحيث تفيد المعلومات انها باتت محصورة بإسمَي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون، لكن تبقى امام الاخير معضلة تعديل الدستور بعد التمديد له سنة، وهو أمر شائك وبحاجة الى مقاربات جديدة فيما لو بقي الاصرار القطري قائماً على ترشيحه، واذا تعذّر التوافق على تعديل الدستور سيكون هناك إمّا اسم آخر في جعبة الموفدين وإمّا ترك الاطراف السياسية اللبنانية تعلن مرشحيها ولتحصل الانتخابات وليفز من يفز.

 

ولن تكون مهمة الموفدين سهلة في ظل الاستعصاء والعناد الداخلي، وتشابك المصالح الاقليمية والدولية وتضاربها. فإلى متى سيبقى لبنان على قارعة الانتظارين: إنتظار التسوية الداخلية وانتظار التسوية الاقليمية؟