كان البعض ينتظر استئناف الحراك الرئاسي، بعد انتهاء عطلة الأعياد، وأن تُدار محركات القوى السياسية، تأسيساً على حركة التواصل الثنائي التي أنتجت توافقاً على تمديد ولاية قائد الجيش وشكّلت اختراقاً لجدار التعطيل الشامل في البلد. ويتركّز التعويل على هذا المستوى، على مسعى أو مبادرة ما من رئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي من خلاله يتظهّر موقف «حزب الله».
حتى الآن، لم تبدأ أي حركة داخلية رئاسياً، فيما يُنتظر ما سيحمله معه موفد اللجنة الخماسية من أجل لبنان جان إيف لودريان، الذي «سيكون قريباً في بيروت لمتابعة مهمة اللجنة في السعي إلى إيجاد حلّ لأزمة الشغور الرئاسي»، وفق ما أعلن سفير فرنسا في بيروت هيرفيه ماغرو، أمس الأول. لكن إلى جانب الملف الرئاسي، هناك عنوان أساس تعمل عليه اللجنة الخماسية (الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، قطر ومصر)، وهو تطبيق القرار 1701 وإبعاد شبح الحرب عن لبنان، بمعزل عن مصلحة كلّ دولة من ذلك. وبعد إقدام اسرائيل على اغتيال القيادي في حركة «حماس» صالح العاروري في عمق المربع الأمني لـ»حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت، ما شكّل خرقاً لقواعد الاشتباك بين «الحزب واسرائيل، وقلقاً خارجياً وداخلياً من توسُّع الحرب، باتت الجهود الديبلوماسية اللبنانية والخارجية كلّها منصبّة على منع هذا السيناريو.
داخلياً، لم يكشف بري بعد عن أي «أرنب» جديد. لكن هناك تعويلاً داخلياً وخارجياً كبيراً على دوره في الملف الرئاسي، بحسب مصادر سياسية متابعة. وتلمس هذه المصادر أنّ بري بات مقتنعاً بأنّ المخرج الرئاسي يكمن في «الخيار الثالث»، والجميع يعلم أنّ هذا توجُّه «الخماسية». وبالتالي، إنّ المبادرة التي تنتظرها المعارضة من بري، تأسيساً على ما حصل في التمديد العسكري، هي اللقاءات الثنائية التي تنتج تسوية أو توافقاً. أمّا أي دعوة إلى طاولات حوار، فتعتبر المعارضة أنّها ليست اقتراح حلّ، بل تعني أنّ «الثنائي الشيعي» لا يريد انتخابات رئاسية الآن، ولكي لا يقول ذلك بوضوح يُغطّي رفضه للانتخابات الرئاسية بهذه الدعوة وبعناوين كُبرى وشروط مستحيلة. أمّا إذا أراد هذا الفريق انتخابات رئاسية فعلية فيتجه إلى سيناريو التمديد العسكري نفسه.
وبالتالي، إذا كان هناك اتجاه للذهاب إلى «الخيار الثالث» والقبول به، سيظهر ذلك من خلال حركة بري. فالمعارضة بكلّ مكوناتها متفقة على أنّ هذه هي الآلية التي تنتج رئيساً، كذلك تكتل «لبنان القوي» و»اللقاء الديموقراطي» وكتلة «الاعتدال الوطني»… والجميع بات مستعدّاً لخرق الشغور الرئاسي من خلال الوصول إلى تفاهم على «الخيار الثالث». ويبقى أن يبادر بري في هذا الاتجاه. إذا أقدم على ذلك، فهذا يدلّ إلى أنّ «حزب الله» لا يمانع ولديه الاستعداد للذهاب إلى «الخيار الثالث». إذ إنّ من يحول حتى الآن، دون التوصُل إلى إسم رئاسي ثالث، غير مرشحي المعارضة و»الثنائي الشيعي»، هو «الحزب» المتمسّك بمعادلة «مرشحي أو الشغور».
وبالتالي، مهما تعدّدت المبادرات، يبقى السؤال نفسه: هل بات «الحزب» مستعداً للذهاب إلى الخيار الثالث؟ حتى اللجنة الخماسية، ومهما كانت مبادرتها التي قد يحملها لودريان، لن تتمكّن من إحداث أي خرق رئاسي، إذا لم يتوفر جوّ ناضج في الداخل، بحسب مصادر سياسية. فمنذ نحو سنة حتى الآن، لم تتمكّن «الخماسية» من تحقيق أي تقدُّم في الملف الرئاسي اللبناني، لا من خلال المبادرة – المقايضة الفرنسية بين رئاستي الجمهورية والحكومة ولا من خلال طرح اللجنة «الخيار الثالث». اللجنة داعم ودافع، لكنّها لا يمكنها كسر أي جدار، إذا لم يكن هناك بيئة سياسية داخلية حاضنة تتلقّف مبادراتها.
موقف اللجنة الخماسية الآن، بات واضحاً للقوى كافةً، وهو أنّها مع «الخيار الثالث». فهل هناك جهوزية في الداخل لهذا الخيار؟ يبدو أنّ الجميع بات جاهزاً، باستثناء «حزب الله». وكان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أشار أمس، إلى «غياب المؤشرات الجدية في اتجاه انتخاب رئيس، خصوصاً أنّ الفريق الآخر لا يزال متمسكاً بسليمان فرنجية، على رغم كلّ ما يحدث»، معتبراً أنّه «طالما حرب غزة مستمرّة لن يتراجع هذا الفريق عن دعم مرشحه، وبالتالي لن يبدّل أي طرف أوراقه».
مصادر مطّلعة على موقف «حزب الله» تقول إنّه لن يتنازل الآن عن ترشيح فرنجية، و»الموضوع الرئاسي كلّه مؤجّل ومُجمّد لدى «الحزب»، ولا خلاف مع الرئيس بري حول ذلك». وبالتالي، إذا بقي «الحزب» يراوح في الموقف نفسه، لا يُمكن إجراء الانتخابات بمعزل عنه. وطالما أنّ هذا الفريق الأساس متمسّك بمعادلة «مرشحي أو الشغور»، أو منتظر نتائج ما بعد حرب غزة، سيستمرّ الشغور الرئاسي.