IMLebanon

مرحلتان قبل أن ينتقل “حزب الله” إلى مرشّح ثالث

 

باتت فرنسا «رأس الحربة» في الملف الرئاسي، بحسب مصادر ديبلوماسية مطّلعة، وذلك ضمن إطار الملف اللبناني عامةً، الذي تسلّمته مباشرةً، وبتكليفٍ أوروبي وبتنسيق مع واشنطن، أقلّه منذ بدء الأزمة أواخر عام 2019 وما بعد انفجار 4 آب 2020. فهي من خلال خطّ التواصل «الموثوق» الذي فتحته مع إيران و»حزب الله»، بالتوازي مع علاقتها التحالفية مع الولايات المتحدة والسعودية ودول الخليج، باتت تشكّل وسيطاً بين الأفرقاء في الداخل والدول المؤثرة في لبنان. لكنّ هذا العمل الفرنسي على الخط الرئاسي لم ينضج بعد ويتطلّب وقتاً، لأنّ باريس تقود مفاوضات غير مباشرة، بين أفرقاء منقسمين عمودياً، إن في الداخل أم الخارج، فمهمة إيجاد رئيس يكون مع «الحزب» والفريق المعارض في لبنان في آن وليس استفزازياً لا للرياض ولا لطهران ولا لواشنطن، ليست سهلة التحقيق فوراً، خصوصاً في ظلّ غياب أي قنوات حوار داخلية جدية تتلاقى مع هذا الحوار الخارجي.

 

كذلك تدلّ مواقف الأطراف السياسية المختلفة في الداخل على عدم الوصول بعد إلى مرحلة الاستعداد للتخلّي عن أسلحة المعركة والدخول في حوارات واتفاقات وتسويات. لذلك لا يزال هناك أمام اللاعبين في الداخل، «متّسع» من الوقت، حتى لو لن يسمح الخارج بأن يطول أكثر من أشهر، للمناورة واستخدام كلّ أوراقهم رئاسياً. هذا ما يحاول فعله رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، ويأتي هجومه «المُسرّب» على ترشّح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية ضمن هذه اللعبة. لذلك لم يرخِ هذا الهجوم على مرشح «حزب الله» أي تداعيات حاسمة على موقف «الحزب» الذي يستمرّ في حركته الرئاسية، وكأنّ كلام باسيل لم يكن، على رغم تأثيراته العملية أقلّه في هذه اللحظة السياسية. فـ»الثنائي الشيعي» لا يزال يعبّر عن اقتناعه بأنّ ورقة فرنجية لم تحترق بعد، لا من نار باسيل ولا من نار أي «فيتو» خارجي. والمتعارف عليه تاريخياً، أنّ الدول تكون واضحة في الملف الرئاسي اللبناني، من خلال وضعها «فيتو» على أسماء معيّنة.

 

ومثل باسيل يحاول «حزب الله» أيضاً «اللعب» في الوقت الضائع، فيما عملياً، وانطلاقاً من السياسة التي ينتهجها «الحزب» أخيراً، خصوصاً في ملف الترسيم البحري، يظهر أنّه يؤْثر عدم تعميق الأزمة وعزلة البلد ومواجهة المجتمع الدولي. إنطلاقاً من ذلك تعتبر جهات سياسية عدّة، أنّ «حزب الله» يعرف تمام المعرفة، أنّ المرحلة الحالية لا تتحمّل رئيساً مثل الرئيسين إميل لحود وميشال عون، وأنّه وعلى رغم تفضيله وصول فرنجية أو باسيل إلى سدّة الرئاسة الأولى، لا يمكنه تحمُّل تكلفة هذه المعركة ولا تداعياتها. وبالتالي ترى أنّ تمسُّك «الحزب» بفرنجية ليس نهائياً، وأنّه على رغم رفضه الآن، البحث في اسم ثالث، يتفق عليه مع باسيل ثمّ مع أفرقاء المعارضة، سيُقدم على هذه الخطوة «عاجلاً أم آجلاً».

 

وفي حين يعتبر «الثنائي الشيعي» أنّ فرنجية مرشح توافقي وغير استفزازي حتى للسعودية، إلّا أنّ جهات سياسية معارضة تعتبر أنّه «مرشح فريق» ولا يمكن أن يشكّل تقاطعاً داخلياً، حتى لو تقاطعت دول خارجية على اسمه. إنطلاقاً من ذلك، ترى مصادر سياسية مطّلعة، أنّ «حزب الله» يجدّد، على لسان المسؤولين والقياديين فيه، تأكيده أنّه يريد رئيساً «مضموناً»، وأنّ هذا الرئيس المضمون لا يخرج عن سياق باسيل وفرنجية، لأنّه مُضطر لأن يتعدّى عتبتين، قبل الوصول الى البحث في اسم مرشح ثالث:

 

العتبة الأولى، أنّ فرنجية كانت لديه حظوظ رئاسية في عام 2008 فذهبت الرئاسة الى العماد ميشال سليمان، كذلك في عام 2016 فذهبت الرئاسة إلى عون، ومع حلول الاستحقاق الرئاسي عام 2022، كان فرنجية أعلن أنّها المرّة الأخيرة التي يترشّح بها للرئاسة. وبالتالي، إنّ «حزب الله» مُحرج شكلاً تجاه فرنجية ولا يُمكنه أن يتخلّى عن دعمه بسهولة، ويريد تظهير أنّه حاول المستحيل وحارب حليفه باسيل من أجل فرنجية، حتى إذا اضطر يوماً إلى التخلي عن دعمه فرنجية، يكون ذلك نتيجة أنّه حاول ولم يفلح. لذلك، إنّ «الحزب» في حاجة الى أن يتوقف أمام ترشُّح فرنجية وأن يبقى صامداً بدعمه، لكي يعطي هذه الإشارة لجميع حلفائه، لا سيما أنّه لا يتحمّل في هذه المرحلة خسارة أيّ من حلفائه، خصوصاً المسيحيين منهم، مهما كان حجمهم «الشعبي» والنيابي. وهذه «الاستماتة» في دعم فرنجية تحلّله في مرحلة لاحقة من أيّ مسؤولية في خسارة حليفه التاريخي المعركة الرئاسية، بعد أن يكون «جاهد» لإيصاله وحاول مرّات مع باسيل لكنه لم يقتنع.

 

العتبة الثانية، أن يكون باسيل غادر ترشُّحه جدياً، فهو لغاية اللحظة لا يزال مقتنعاً بأنّ لديه حظوظاً، إنطلاقاً من تجربة عون الذي كانت حظوظه الرئاسية معدومة عام 2014 وانتُخب رئيساً عام 2016. ولذلك يستمرّ باسيل في التشديد علناً، على ضرورة أن يدعم «حزب الله» المرشح الأكثر تمثيلاً ومن ضحّى أمام «الحزب» ودفع الأثمان ومن يطرح معادلة التكامل بين المقاومة والدولة، ويعني بذلك «نفسه» فقط.

 

وبعد تجاوز «حزب الله» هاتين العتبتين، سيبدأ، بحسب ما ترى جهات سياسية، البحث في اسم ثالث يشكّل حالة مشتركة مع الفريق المعارض في البلد، وذلك بالتعاون والتكافل والتضامن مع باسيل وفرنجية في وقتٍ يكونان قد سلّما بعدم إمكانية وصول أيّ منهما الى كرسي رئاسة الجمهورية، وتكون «المهلة الرئاسية الدولية» قد انتهت.