يتفنّن سليمان فرنجية في إغاظة جبران باسيل. أو أقله هكذا يعتقد. يسوّي العلاقة مع قائد الجيش جوزاف عون ليثير الاعتقاد بأنّه مستعد لتأييد ترشيحه فيما لو سارت الرياح الإقليمية لمصلحة «الجنرال» وصار في القصر خلفاً للرئيس ميشال عون، فيكون على ضفّة التفاهم لا الخصومة المجانية. ويترك صنارة تعيين رئيس الأركان هائمة، علّه يلتقط سمكة الحزب التقدمي الاشتراكي «الرئاسية»، ليفتح باب التفاوض والأخذ والردّ مع وليد جنبلاط. والأخير هو الأشطر في هذه السياسة.
نظرياً، تكتيك رئيس «تيار المرده» سليم. فانتخاب جوزاف عون ليس ضرباً مستحيلاً، لكنه يتطلب تقاطعاً إقليمياً، وتأييد الثنائي الشيعي. والمسألتان غير متوفرتين. أقله حتى الآن. لكن استفزاز باسيل وابتزازه، لدفعه إلى الإنقلاب على مواقفه لتأييد فرنجية، لا يقلّ صعوبة، إن لم نقل أكثر صعوبة. قضية جبران باسيل أكثر تعقيداً من محاولات زركه في الزاوية، بعدما بات مستقبله كلّه على المحك. ومصير الرئاسة احدى حجارة البازل التي ستتحكم بمصيره. لهذا، فإنّ تخييره بين جوزاف عون وسليمان فرنجية، لا يعالج «مصيبته».
كما أنّ مغازلة جنبلاط في محلّها. فالرجل، وخلافاً لما يظهره بأنّه ملتزم بخيارات نجله تيمور، غير المقتنع بسيناريو ترئيس فرنجية، سيفعلها اذا رست حسابات مصلحته على أعتاب بنشعي، وحساباته ليست معقدة كثيراً ولا تتجاوز حصته وموقعه في العهد الجديد. والأكيد أيضاً أنّ التعامل مع فرنجية أسهل بالنسبة إلى جنبلاط من التعامل مع جوزاف عون. ولهذا، لن يحتاج ضمان أصوات الكتلة الجنبلاطية، إلى مجهود جبار طالما أنّها مرتبطة بأي تسوية إقليمية قد تحصل أو تفاهم داخلي يقيه شرّ الوقوع في شرّ الخلافات لا سيما مع المسيحيين.
ولكنّه بالنتيجة، لن يصوت رئاسياً بشكل انتحاري، بمعنى اذا ما بقيت الرياض على موقفها الرافض، فهو لن يبحر بعكس رياحها، كما لن يتجرأ على مواجهة الفريقين المسيحيين أي «التيار الوطني الحر» و»القوات». وبالتالي ثمة شروط قاسية يفترض تأمينها لتجيير أصوات «اللقاء الديموقراطي» لمصلحة القطب الزغرتاوي. ومع ذلك، إنّ حراك فرنجية في محله، واذا لم ينفعه، فلن يضرّه أبداً.
ولكن البحث في كواليس الرئاسة اللبنانية التي باتت معلّقة على حبل التطورات الاقليمية وتحديداً تلك الحاصلة في غزة وربطاً في الجنوب اللبناني، لا يظهر أي تطور نوعي من شأنه أن يحدث الخرق المطلوب، باستثناء عاملين مستجدين:
– الأول، هو دخول الموفد الأميركي آموس هوكشتاين على خطّ الرئاسة، ولو على نحو غير مباشر، وذلك خلال بعض من اللقاءات التي عقدها في بيروت حاملاً عرضه الوحيد والقاضي بوقف إطلاق النار في الجنوب من خلال طلبه إبعاد «حزب الله» لمسافة سبعة إلى ثمانية كيلومترات (ربطها بعض المسؤولين اللبنانيين بمدى الصواريخ التي يستخدمها راهناً «حزب الله» في قصفه إسرائيل)، وقد قوبل بالرفض التام. وتمّ إبلاغ الأميركيين جواب «حزب الله» عبر جهات ثالثة، وعبر خطاب الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله الذي أعلن بوضوح رفض وقف العمليات العسكرية من جنوب لبنان ما لم تتوقف الحرب في غزة.
ولكن على هامش لقاءات هوكشتاين، كان للملف الرئاسي حضوره، من خلال دفع واضح، قام به الموفد الأميركي، باتجاه قائد الجيش العماد جوزاف عون من باب تفضيله على غيره من المرشحين للرئاسة. وهو موقف نوعي ينقل للمرة الأولى على لسان مسوؤل أميركي، وتوقف عنده المعنيون بالملف الرئاسي. وهذا ما ينسف الرهان على مقايضة ينتظرها مؤيدو فرنجية، قد تأتي به رئيساً مقابل تطبيق القرار 1701.
– الثاني، احتمال أن تعقد اللجنة الخماسية اجتماعاً لها يفترض أن يحصل هذه المرة في جدة، بعدما عقدت اللجنة اجتماعات ثلاثة، في باريس، الدوحة ونيويوك، وبالتالي كان لا بدّ أن تكون المحطة التالية، القاهرة أو جدة، ويبدو أنّ الاتجاه هو لعقد الاجتماع في السعودية. لكن جغرافية الموقع، لا تستدعي أبداً رفع منسوب التوقعات من النتائج، خصوصاً وأنّ أي تطورات نوعية لم تطرأ على الملف، غير أنّ الفرنسيين المتمسكين بقشة الملف اللبناني، بعدما غرقوا في مستنقع حرب غزة، سيدفعون حتماً باتجاه تفعيل عمل اللجنة الخماسية وعودة موفدهم جان إيف لودريان إلى بيروت، حتى لو كان خالي الوفاض، كما كان في جولته الأخيرة. ولكن لا بدّ من تزخيم هذه المهمة من جديد، بانتظار انتهاء الحرب في غزة، ليبنى على الشيء مقتضاه.