حتى الساعة لم يعلن «حزب الله» اسم مرشحه الرئاسي صراحة. لم يجاهر بترشيحه رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية ولا يزال مستعداً للإقتراع بورقة بيضاء في جلسات انتخاب الرئيس البرلمانية. يكتفي بتحديد مواصفات الرئيس التي يقدمها على سبيل شروط إستباقية لأي مرشح محتمل.
يتقصّد ترك الباب موارباً متجنباً تقديم مرشحه على أنه مرشح مواجهة. يتجنب بذلك المواجهة علانية بين الخصم والحليف في آن. هو ليس مستعجلاً على التسمية ويربطها بتحضير مسرح الإنتخابات بشكل صحيح، وحين ينتهي التفاوض مع الفريق الآخر يشرّع أبواب المعركة لفوز حليفه. والمسرح هنا محلي وإقليمي ودولي في آن. همسه باسم سليمان فرنجية في الكواليس لا يدفعه في العلن إلى القول إنّه لم يقطع الطريق على أي طامح بالترشح وإنّه لا محاذير لإنتخاب أي شخصية طامحة باستثناء رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وهو ليس مرشحاً. يتحدث عن علاقة طيبة تجمعه بالمؤسسة العسكرية وقائدها جوزاف عون لكن لا يفوته التذكير بالتجربة المرة مع قائد الجيش السابق ميشال سليمان بعدما صار رئيساً.
مشكلته في إعلان مرشحه، متعددة الأوجه. لا يريد استباق المعنيين بالتسمية كي لا يظهر بمظهر المتبني لمرشح مسيحي ماورني قبل أن يعلن أهل البيت موافقتهم عليه، ويريد أن يؤمّن الأرضية المناسبة لذلك انتخابياً. منذ بداية الاستحقاق وقبلها لم يتوقف إعلان رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل عن رفضه بالمطلق ترشيح فرنجية. أي أنه يرفض انتخاب حليف الحليف. فكيف له أن يستبق الاعلان عن مرشحه قبل التوافق داخل البيت الواحد. هناك وجهتا نظر حيال الموضوع: الأولى وتقول بتجاوز باسيل والتفاوض مع الآخرين لتأمين عبور المرشح إلى بعبدا أي أن يكون انتخاب فرنجية على حساب العلاقة مع باسيل، والثانية تنصح بالتمسك بفرنجية وباسيل ورفض انتخاب الأول من خارج إرادة الأخير. يريد «الحزب» أن يربح باسيل وفرنجية ولا يريد ربح فرنجية على حساب العلاقة مع باسيل، وهذه هي المعادلة التي يقتنع بها رئيس «تيار المردة» بالنظر الى حيثية رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» النيابية وموقعه مسيحياً وترؤسه تكتلاً نيابياً يحتاجه فرنجية في الحكم، لا أن يتحول الى كتلة مسيحية معارضة في مواجهته.
منزعج من هجومه على رئيس مجلس النواب نبيه بري وعلى فرنجية، وشظايا نيرانه لا توفر «الحزب» وتؤذي «التيار» الذي كان يسعى إلى تصحيح علاقته مع الآخرين انطلاقاً من عين التينة ولكنه لا يملك حيال ذلك إلّا السعي إلى التهدئة. يجد له مصلحة في إقناع باسيل بفرنجية ولا يريد الاساءة للعلاقة معه رغم نظرتهما المختلفة للملف الرئاسي.
فإذا كان «حزب الله» يرغب في فرنجية لقربه من بري وعلاقته مع سوريا ولأنّه مرشح لا يستفز السعودية ويعزز الهدنة معها ومع السنة ويحمي له سلاحه وينهي التوتر بالملف المالي والإقتصادي، فإن «التيار» يمضي في رفضه، والعلاقة حالياً بين الحليفين مقطوعة حول الملف الرئاسي. ولذا يمكن إعتبار أن الكباش الحقيقي حول الرئاسة هو بين «حزب الله» وباسيل، أي بين الحليفين وقد كان مطلب باسيل منه واضحاً: اسحبوا ترشيح فرنجية وأنا لست مرشحاً فلنتحاور على خيار ثالث. ويشكل رفض باسيل عقبة رئيسية تؤخّر تبني ترشيح فرنجية علناً.
ويقع في أسباب التريث أيضاً، أن المشهد الإقليمي المتعلق بالموقف السعودي لم يتوضح بعد. حالياً لا تواصل سعودياً مع «حزب الله» ولم يفتح باب المقايضة بين الرئاستين الأولى والثالثة. الإتكال هنا على الفرنسيين في تدوير الزوايا.
ثمة قائل إنّ القصد من عدم المجاهرة بالتسمية مرهون بجلاء الصورة تماماً، فربما يلمس فرنجية أن حظوظ انتخابه باتت ضعيفة فيتراجع. لكن هناك من يقول إنّ «حزب الله» وكما تعامل مع ترشيح عون برفض «الخطة باء» ولو إفتراضياً، فهو يرفض «الخطة باء» وهو حين يتبنى ترشيح فرنجية فسيمضي به حتى النهاية .
أكثر من أي وقت مضى كل الأطراف المعنية بالإستحقاق الرئاسي تبحث عن تسوية وتبادر إليها في اتجاهات مختلفة. قصد باسيل فرنسا لأجلها. قدم عرضاً رئاسياً متكاملاً أودعه الرئاسة الفرنسية، وبالتوازي ينفتح الفرنسيون على «حزب الله» وتبحث معه بكركي عن «كلمة سواء» رئاسية. كله لا يزال في إطار البحث الأولي. ولكن متى نضجت التسوية فإن الجميع سيجد نفسه أمام أمر واقع وسينزل كل طرف عن شجرة مواقفه العالية بمن فيهم باسيل. وإلى أن تجد التسوية من يسوّق لها ويقدم عليها فإن المخاض الرئاسي لا يزال عسيراً.