لا تغيير في موقف «حزب الله» الرئاسي، ولا «إيجابيات» بعد إعلان نائب الأمين العام لـ»الحزب» الشيخ نعيم قاسم أن «لا ربط للاستحقاقات السياسية سواء أكانت مسألة رئاسة الجمهورية أم غيرها بما يجري في الجنوب، ولا توجد مقايضة بين ما يجري في الجنوب وبين أي استحقاق سياسي»، مؤكداً أنّ «اللبنانيين إذا اتفقوا الآن على رئيس للجمهورية، فنحن جاهزون أن نذهب للانتخاب غداً ونشارك». فبهذا الكلام، يربط قاسم العملية الانتخابية بـ»التوافق»، أي أنّ «الاتفاق» سابق لجلسات الانتخاب، في وقتٍ لم يُعلن «الحزب» أو «الثنائي الشيعي» سحب ترشيح رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية المرفوض مسيحياً ومن كتل نيابية عدة، والذهاب إلى «خيار ثالث» عبر محادثات ثنائية وليس عبر حوار ترفضه قوى المعارضة.
جهات سياسية عدة تعتبر أنّ «الحزب» يحاول رفع مسؤولية تعطيل الاستحقاق الرئاسي عنه بـ»كلمات بديلة»، تارةً عبر الدعوة إلى حوار يعرف مسبقاً أنّه غير منتج والآن بتأكيد فصل الرئاسة عمّا يجري جنوباً، فيما أنّه يؤثر عدم التحدّث في أي موضوع قبل انتهاء الحرب في غزة. في المقابل لا يزال «الحزب» يعتبر أنّ «فرنجية لديه حظوظ»، بحسب ما تقول مصادر شيعية، وتؤكد أنّ «لا تقديمات البتة جنوباً» لإسرائيل أو واشنطن ولا كلام حول الوضع الجنوبي أو وقف حرب «المساندة» قبل انتهاء حرب غزة.
في ظلّ انشغال «الحزب» بالحرب وتشدُّد المعارضة وموقفها الحاسم المُعلن والذي أبلغته إلى الجهات المعنية التي تتحرّك رئاسياً لجهة أن لا مساومة رئاسية تؤدّي إلى وصول فرنجية أو أي مرشح ينتمي إلى فريق «حزب الله» إلى سدّة الرئاسة الأولى، بدأت اللجنة الخماسية من أجل لبنان (الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، السعودية، قطر ومصر) حراكاً متجدداً على الخط الرئاسي عبر سفرائها لدى لبنان، بعد أن «وحّدوا» الموقف أقلّه شكلياً، وافتتحوا جولتهم أمس بلقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وترى جهات سياسية متقاطعة، أنّ اللجنة الخماسية تؤكّد بحراكها هذا العوامل الآتية:
أولاً، رغم وجود أحداث وحرب حرفت الانتباه والأنظار عن ملفات أخرى، لا يزال اهتمام هذه الدول بلبنان وملف الرئاسة قائماً.
ثانياً، للتأكيد أنّ دول الخماسية تتحرّك كلّها ضمن اتفاق ومساحة مشتركة وأهداف واحدة.
ثالثاً، تتحرّك الدول الخمس لتقول إنّ هناك فرصة يُستفاد منها لتحقيق اختراق رئاسي.
رابعاً، يؤكّد أعضاء اللجنة أنّهم يفصلون بين الحرب وحرصهم على عدم تمدّدها وضبط وضعيتها وبين ملف الرئاسة.
بالتوازي مع هذه العناصر، لا تزال الإشكالية نفسها، فالخارج يتمنّى ويحضّ ويحاول أن يتوسّط، لكن القرار لدى القوى السياسية الداخلية، و»حزب الله» لا يزال عند الموقف نفسه إمّا فرنجية وإمّا الانتظار إلى ما بعد حرب غزة. وطالما أنّ الإشكالية لا تزال نفسها لا يمكن إحراز أي تقدّم. ورغم هذا الحراك، لا يؤمل في أي جديد على الصّعيد الرئاسي قريباً، بحسب جهات سياسية عدة. إذ إنّ الوضع في المنطقة يتجه إلى التسخين أكثر والتفجير، من الجنوب اللبناني إلى البحر الأحمر، في وقتٍ هناك ترقّب لردّ الولايات المتحدة على استهداف القاعدة الأميركية على الحدود الأردنية – السورية. وبالتالي، إنّ «عقل» الحزب خارج لبنان، فما يجري مرتبط بمستقبله ومصير المحور الذي ينتمي إليه، وهو لا يُبدي أي اهتمام بالموضوع الرئاسي إلّا إذا حصل توافق على انتخاب فرنجية.
لذلك، طالما أنّ «الحزب» على موقفه هذا رئاسياً في وقتٍ حسمت اللجنة الخماسية موقفها لجهة أن لا خروج من الشغور الرئاسي إلّا من خلال «الخيار الثالث»، لا إمكانية لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، فـ»المفتاح» بيد «الحزب»، وعندما يعلن اتجاهه إلى خيار رئاسي ثالث، سيؤدّي الحراك الخارجي إلى غربلة الأسماء المطروحة والتوصل إلى اسم أو أكثر لا «فيتو» من أي فريق عليها. هذا فضلاً عن أنّ المعارضة السيادية ليست في وارد التساهل مع الانتخابات الرئاسية، بل إنّ ما تلى 7 تشرين الأول 2023 يؤكّد وجهة نظرها، بحسب مصادرها، ويدفعها إلى «مزيد من التشدّد لانتخاب رئيس لا تكون مواقفه مشابهة لمواقف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الآن، فالموقف الرسمي يجب ألّا يتبدّل ولا يجوز أن تغطّي الشرعية الموقف غير الشرعي. وبالتالي تتّجه المعارضة إلى مزيد من التشدّد لكي تكون السلطات الرسمية غير مرتبطة بالواقع غير الرسمي».
إنطلاقاً من ذلك، تقول مصادر سياسية «حيادية» إنّ الأجدى في ظلّ التحوُّل الذي يحصل في المنطقة، وانطلاقاً من أنّ «الحزب» لا يريد تسليم سلاحه، طرح الذهاب إلى حوار حول مستقبل النظام في لبنان، وليس إلى حوار حول الرئاسة، إذ باتت الصورة واضحة للجميع: في ظلّ السلاح غير الشرعي لا دولة في لبنان.