فرمل تمسّك رئيس مجلس النواب نبيه برّي بالحوار أمام سفراء الدول الخمس، الاندفاعة الرئاسية. وأجمعت المعارضة والقوى الوسطية على سلبية هذا الطرح. ولا يمكن لأحد جمع الأفرقاء المتخاصمين في ظل التباعد السياسي القائم الذي لا يقتصر على الخلاف على السلطة، بل يدخل في صلب المواضيع الجوهرية.
أبعد الرئيس برّي عن نفسه تجرّع كأس عقد جلسات متتالية لإنتخاب رئيس للجمهورية. فعقد مثل هذه الجلسات سيكشف الطرف المعرقل فعلاً لعملية إنتخاب الرئيس، ولو استطاع «الثنائي الشيعي» جذب تكتل «لبنان القوي» إلى صفوفه، لكانت مثل هكذا دعوة أسهل، ولكان أمّن الغطاء المسيحي لمرشحه رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية، وضغط على بعض النواب المستقلين أو المترددين لحصد 65 صوتاً لفرنجية.
ويواصل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رفع سقف مواقفه، وهو يعمل على تصويب الوضع المتردّي للدولة جنوباً وفقدانها السيادة وقرار السلم والحرب، ويتابع مسألة إنتخاب رئيس الجمهورية. وزار عضو «التكتل الوطني» النائب فريد الخازن بكركي لشجب حملة التخوين التي تعرض لها البطريرك الماروني ولإنقاذ الحوار الذي استضافه بين «حزب الله» وبكركي. وترفض بكركي وضع شروط لانتخاب الرئيس وخرق الدستور، إذ تعتبر آلية الانتخاب واضحة ولا يمكن القبول بفرض أعراف جديدة، وتؤيد بكركي التواصل والنقاشات بين الكتل تحت قبة البرلمان وفي أثناء الدعوة إلى جلسات مفتوحة، أما الحوار على الطريقة القديمة فلا يوصل الى نتيجة.
ولم يراهن البطريرك كثيراً على التحرّكات الخارجية، وما سمعه السفراء الخمسة من برّي عن الدعوة إلى الحوار كان قد وصله عبر المسؤول الإعلامي في الصرح المحامي وليد غياض الذي أوكلت إليه مهمة التواصل الرئاسي مع «الحزب» حيث عقد اللقاء الأخير في منزل النائب الخازن.
وإذا كان الملف الرئاسي قد تعقّد مجدداً بعد موقف برّي، تتمنى بكركي حدوث صحوة ضمير عند النواب وإنقاذ موقع الرئاسة الأولى، وقد تبلغت بكركي من بعض العاملين على الخط الرئاسي أنّ ظهور عراقيل جديدة في وجه عملية انتخاب رئيس لا يعني توقف المساعي الخارجية، ومن الأكيد إعادة تزخيم تلك الوساطات لاحقاً. وتحاول الدول المتابعة للشأن اللبناني إستغلال الهدنة للدفع في اتجاه إجراء الاستحقاق الرئاسي، وفي نظر بكركي، التطورات الإيجابية في المنطقة تنعكس إيجاباً على الملف اللبناني وعلى رئاسة الجمهورية.
وتؤيد مصادر كنسية كل ما قام به سفراء الدول الخمس من محاولة فصل الاستحقاق الرئاسي عن حرب غزة وأزمات المنطقة، وهذا الأمر يتفق مع مبدأ الحياد الذي ينادي به البطريرك وعزل الساحة اللبنانية عن ساحات المنطقة. وإذا كانت بكركي لا تضع عراقيل في وجه المبادرات ولا تضع «فيتو» على إسم أي مرشح، إلّا أنها تعتبر العقدة موجودة عند الفريق الذي يعطّل نصاب جلسات الإنتخاب ولا يحضر إلى المجلس للتصويت لمرشحه.
ولا ترى الكنيسة العقدة في الأشخاص، بل في ربط لبنان بساحات المنطقة، فهناك فريق معين ينتظر وصول كلمة السرّ من خارج الحدود للحضور إلى مجلس النواب وانتخاب مرشحه أو الدخول في تسوية معينة. لا تحبّذ بكركي انتظار اتفاق أميركي- إيراني لانتخاب رئيس في لبنان، فالإنتظار قد يطول ويطول، وقد لا يحصل إتفاق كهذا أو ربما قدّ تتعقّد الأوضاع وتذهب المنطقة إلى حرب مفتوحة، والدلائل لا تبشّر بالخير، خصوصاً بعد الهجوم على القاعدة الأميركية في الأردن والردّ الأميركي.
يحمل البطريرك بعض الأفكار لإنجاح الاستحقاق الرئاسي، وتبقى فكرته الأهم عقد جلسات متتالية لإنتخاب الرئيس، لكن تمسّك برّي بمطلب الحوار ومن خلفه «حزب الله» سيزيد الأمور تعقيداً، وبالتالي فكل الإيجابية التي بدأت بالتمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون وتبعتها الوساطات والتحركات الخارجية قد تذهب أدراج الرياح، إذا إستمر حجز الرئاسة إلى حين انتهاء حرب غزة، وهذا ما ترفضه الكنيسة.