IMLebanon

وحدة الرؤيا ووحدة المسار

 

التطورات السياسية التي شهدتها الساحة اللبنانية الداخلية في الآونة الأخيرة لها أكثر من دلالة وستكون لها بالتأكيد انعكاساتها على مجمل الأوضاع، ذلك بغض النظر عن المراوحة التي تتسم بها الحركة الخارجية لا سيما حركة الموفدين ولا سيما وفد الخماسية الذي لم يتقدم قيد أنملة في الملف الرئاسي، واقتصر نشاطه على اجتماعات داخلية في ما بينه، وكأنه لم ينته بعد من تحضير ملفاته وهو يكتفي بتقطيع الوقت علَ الحل يحط فجأة كما الوحي.

فللمرة الأولى اتسمت تصريحات ومواقف المسؤولين السياسيين بالصراحة والموضوعية في مقاربة الملفات الإقليمية وموضوع الحرب الدائرة في الجنوب وحرب غزة. وكان لافتاً في هذا الخصوص الموقف المتقدم للتيار الوطني الحر بشخص رئيسه الوزير جبران باسيل وفخامة الرئيس السابق العماد ميشال عون الذي عبر وبوضوح لا يقبل اللبس ولا الاجتهاد بأن وحدة الساحات لا يمكن للبنانيين الالتزام بها، لما لها من انعكاسات تدميرية لا قدرة للوطن الصغير من تحمّلها، وبالتالي فإن ربط مصير السلم في الجنوب بالحرب على غزة التي يمكن أن تطول إلى ما شاء الله ولا سيما أن الحل لا يلوح بالأفق في المدى المنظور، وأن لبنان لا يمكنه أن يكون ملكياً أكثر من الملك، إذ إن تحرير فلسطين يقع على عاتق  الفلسطينيين أنفسهم وعلى ما يريدوه هم دون سواهم، وأن لبنان لا يمكن أن يقوم بتحرير القدس في ظل صمت ولا مبالاة معظم الدول العربية التي تفوق قدراتها أضعاف أضعاف قدرات لبنان.

الملف الرئاسي أقرب للداخل منه إلى الخارج

أما في ما خص الملف الرئاسي فلقد ترسّخت قناعة لدى أكثر من طرف من أن الحل لا يمكن إلّا أن يخضع لتسوية داخلية وأن عملية انتظار التوافق الخارجي تعني وبكل بساطة تطيير هذه الانتخابات. ولقد بات لدى المسيحيين اقتناع أن كل شيء يجري في البلد وكأن هناك إرادة عليا تقضي بإقصاء المسيحيين عن مراكز القرار، فحكومة تصريف الأعمال تتجاوز الميثاق وتضرب عرض الحائط بالشراكة الحقيقية، حتى أنها باتت تمارس صلاحيات الرئيس بصورة لا شرعية فتتجاوز قراراتها صلا حيات الوزير المختص وهي تمارس بهلوانيات دستورية للالتفاف على القانون ودستور الطائف الذي نص صراحة على وجوب احترام صلاحيات الوزير المختص في إصدار القرارات، وكان آخر هذه البدع صدور قرار غير موقع من وزير الدفاع وغير منشور في الجريدة الرسمية ورغم ذلك اتخذ طابع التنفيذ. كل ذلك حدا بالتيار الوطني الحر لرفع الصوت وعزمه على ممارسة عملية «هجوم مضاد» الهدف منها خرق الجمود السياسي للولوج إلى تفاهمات لبنانية – لبنانية.

التيار – بري

من هنا وبعد أن تيقن التيار الوطني الحر أن الملف السياسي الداخلي قد جيّره حزب الله إلى الرئيس بري، وبعد أن تيقن أن عودة الرئيس الحريري لممارسة زعامته في الداخل السنّي، دونها عوائق لا يمكن للحريري نفسه من تجاوزها في الوقت الراهن وذلك بالرغم من التأييد العارم له لدى الجمهور العريض من الطائفة السنية، مما يمنع الحريري من الاطّلاع بأي دور وطني. لذا كان لا بد للتيار من الذهاب نحو تسوية مع الرئيس بري وإلا سنضطر إلى انتظار الحل إلى ما لا نهاية. والسؤال المطروح هل تلاقي الأطراف السياسية المختلفة موقف التيار الوطني الحر، وتعطى مبادرة الرئيس بري الزخم المطلوب للوصول إلى شاطئ الأمان أم أن الأمور ستبقى رهينة إملاءات الخارج وشروطه التعجيزية؟

لقد بات واضحاً ان رؤيا اللبنانيين إلى الاستحقاقات الرئاسية والإقليمية أصبحت أكثر تقارباً، فهل تتكلل وحدة الرؤيا بوحدة المسار فنصل إلى تسوية رئاسية ينتج عنها انتخاب رئيس في القريب العاجل؟

* كاتب سياسي