تتكثّف المشاورات الرئاسية والعمل على خطّ الدفع في اتجاه انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وتُعقد لقاءات في العلن والسرّ من أجل توحيد الجهود ورصّ صفوف المعارضة. وينشغل «حزب الله» في حرب الجنوب وتمدّدها أمس إلى البقاع، لذلك يتراجع إهتمامه بالملف الرئاسي ويتقدّم الإهتمام بتطورات الميدان.
لم يعد خافياً على أحد وجود محاولة دولية من أجل تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، لكن لم تصل هذه المبادرات إلى حدّ الحسم الرئاسي. وينتظر هذا الحسم تفاهماً أميركياً – إيرانياً لتسهيل الأجواء الداخلية وتهيئتها من أجل إتمام العملية الإنتخابية.
وإذا كان الخارج يقوم بدوره، إلا أنّ هناك متابعة داخلية حثيثة لكل تلك الاتصالات، خصوصاً في صفوف المعارضة. وإذا كان فريق الممانعة حاول الترويج في فترات سابقة لإمكان الوصول إلى تسوية على الحدود الجنوبية مقابل إنتخاب مرشح الممانعة رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية وتحقيق مكاسب داخلية، إلا أنّ مسار الأحداث كشف زيف هذه الادعاءات.
وعلى الرغم من فشل تلك النظرية، يبقى الحذر واجباً، إذ هناك رأي داخل أطراف المعارضة يؤكد فعل «كل ما يتوجب علينا في الداخل وعدم ترك المسار الرئاسي للخارج فقط، لأنه قد يحصل ما لا نُحبّذه».
وانطلاقاً من كل هذه المخاوف والأحداث، إنطلق عمل المعارضة على مسارين: تنظيمي وسياسي. إذ تحاول المعارضة رصّ الصفوف وتقريب وجهات النظر، فإذا كان تكتّل «الجمهورية القوية» و»الكتائب اللبنانية» و»تجدّد» وعدد من النواب المستقلّين والتغييريين متّفقين على الرؤية نفسها، فهذا الأمر لا يكفي لمنع فرض الشروط أو تحسين مواصفات انتخاب رئيس للجمهورية.
وجرى العمل على إزالة الالتباس في العلاقة بين بعض مكوّنات المعارضة أو من يتّفقون على الموقف نفسه، وفي هذا السياق، تحسنت العلاقة بين «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الإشتراكي، علماً أن هذه العلاقة لم تنقطع يوماً، بل بقي التواصل سواء في القنوات السياسية أو داخل مجلس النواب، وبالتالي لم ينتقل الإشتراكي إلى الضفة الأخرى، بل بقي في الوسط المعارض.
وتربط الإشتراكي علاقة وطيدة بالمملكة العربية السعودية، ولن ينتخب رئيساً لا يحظى بموافقة المملكة أو يُشكّل استفزازاً لها، وعلى رغم بعض المناكفات العادية تبقى علاقة الإشتراكي ببعض أطراف المعارضة إستراتيجية، من دون الدخول بمواجهة قاسية مع فريق «حزب الله».
وساهمت مبادرة تكتل «الاعتدال الوطني» في تحسين العلاقة ببقية أطراف المعارضة، ويؤكّد التكتل عدم تأييد فرنجية نتيجة عدم وجود رضى مسيحي عنه وإصطفافه مع المحور الثاني، وهذا الأمر يضع «الاعتدال» حكماً مع الخيار الثالث، وبالتالي موقف التكتل يُشكّل أرضية مشتركة مع بقية أطراف المعارضة.
إذاً، عاد التواصل بين معظم أطراف المعارضة، وشكّلت مواقف رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع لناحية قبوله بالخيار الثالث نقطة انطلاق للعمل مع المعارضة الوسطية، وترفع المعارضة الشروط الأساسية بالنسبة للرئاسة، وهي القبول برئيس سيادي وإصلاحي وعدم الذهاب بمنطق فرض رئيس للجمهورية.
نجحت المعارضة في «شدّ» الصفوف تحسباً لتطورات المرحلة المقبلة، وأي تسليم من «الثنائي الشيعي» بعدم قدرة فرنجية على الوصول إلى بعبدا هو انتصار لها، وبالتالي تكون قد أسقطت سيناريو ما بعد 2014، أي إما القبول بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية أو استمرار الفراغ.
وبعد مواقف الرئيس ميشال عون الأخيرة من «حزب الله» وتأزم العلاقة مجدداً، يحاول «التيار الوطني الحرّ» الحفاظ على الحدّ الأدنى من التقاطع مع المعارضة والبقاء ضمن دائرة القرار، فلا يستطيع «التيار» فكّ إرتباطه مع «الحزب» من دون الإتكال على تقاطعات جديدة، وبالتالي يؤكد «التيار» قربه من المعارضة رئاسياً وابتعاده عن «حزب الله» و»أمل».
ويبقى الإمتحان الأكبر عند الدخول في لعبة الأسماء المرشحة مجدداً ضمن الخيار الثالث الذي أعلن جعجع القبول به، خصوصاً إذا انتقل البحث بين المعارضة و»التيار» إلى اسم جديد غير الوزير السابق جهاد أزعور، علماً أنّ التأكيد هو على بقاء التقاطع على أزعور حالياً.