IMLebanon

طبخة الرئاسة لم تستوِ بعد!  

 

 

عند كل إستحقاق رئآسي، منذ منح الإستقلال وحتى يومنا هذا، وخاصّةً ما بعد إتفاق الطائف، فإن رئآسة الجمهورية، تبقى عبئاً على لبنان واللبنانيين،  حيث تتجاسر كل القوى على هذا الموقع، وتتكاثر الترشيحات على هذا المنصب، إذ يرى كل ماروني بنفسه أنه الأوفر حظاً، وأنه الأكثر قرباً، من أن ينال هذا الشرف الكبير،  ومعها لا يقدر أحد أن يطلب منه الترَجُّل، عن حصانه الأبيض المرصَّع بالذهب، والموهوب بسرعة الوصول إلى نهاية الشوط، والفوز بستة سنوات، يقضي فيها جنى العمر، ويعيش مع العائلة والحاشية في جنات النعيم، ولو عاش الشعب في خلود جهنم وإكتوى بنار الجحيم.

 

ليس لبنان وحده، الذي تتقرر فيه الرئآسات والعروش، وحتى المجالس واللجان من مطابخ دولية، ومن قرارات فوقية، تتجلى فيها الدول العظمى، التي تدير اللعبة والطبخ على مستوى الولائم، التي تفيد الكروش المنتفخة، والمملوءة بمحاشي المصالح والمخططات، حيث تزيد من التوسع والتسلط والهيمنة، لأن دائرة المنتفعين من الولائم، قد حدَّدت مراتب المدعوين، ووزّعت طاولات الوليمة إلى ثلاث.

 

فالطاولة الأولى المستديرة الرئيسية، مخصَّصةٌ للدول  الخمس العظمى، التي تتمتع بالفيتو في مجلس الأمن، وقد أطلق عليهم: العالم الأول.

 

والطاولة المستطيلة والمخصّصة للدول المساندة، والتي تدخل في الأحلاف وفي التحرك السريع لنجدة الطبخة من الإحتراق، وهم من يُطلق عليهم العالم الثاني والصناعي أو الإنتاجي.

 

أما من يطلق عليه العالم الثالث فيفترشون الأرض وتكون سفرتهم  تعتمد على بقايا الأطعمة وفُتات العظام، المنهشة من المفترسين للحوم البشر، والشارهين إمعاناً في إنتاج هؤلاء، وفي خيرات أرضهم وبحرهم وسمائهم، وحتى في هوائهم، لإرضاء أهوائهم، وقد سمِّي العالم الثالث ليتجانس مع الثالوث، الذي يقضي على البشريّة، ويجعل منها المطيَّة، لحكم الكرة الأرضية، وفق النزوات الشيطانيّة،  وهي التي تنشرها عندهم على السويّة، (بالفقر والمرض والجهل) فيظل هذا العالم بالذات، يسير بدربهم للولائم، حتى لا يقوم له قائم.

 

من هنا نشير إلى أهمية دور لبنان، الذي يدور بفلكِ العالم الثالث، ولتزيد عليه موقعه الإستراتيجي، لشرقي البحر المتوسط، وما أدراك مافي أعماق البحر المتوسط، وهو يشكل نقطة العبور بين الشرق والغرب، لتمر به طريق الحرير.

 

وهو أيضاً يجَسّد حدود الإلتقاء مع الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين، وما يجرُّ ذلك من إحتكاكات وتجاذبات عسكريَّة وأمنِيَّة وإقتصاديّة، وغيرها من مقومات المقاومة للإحتلال، التي تزيد توتيراً وتصعيداً مع التحكم بخارطة الطريق، وإكمال ما يهدفون  من مخططات لتسوية وضع الشرق الأوسط الجديد، ليكون لبنان نقطة الإرتكاز في التسوية للمنطقة ككل، وبالتالي محط أنظار الطباخين، وليتلقى فُتات أكلاتهم الدسمة..

 

مع كل إستحقاق إنتخابي، نيابي أو وزاري، والأهم منها الرئآسي، لا يمكن أن يمرَّ مرور الكرام، ولا حتى يُترك فريسةً للطيور المهاجرة، ولا للوحوش الكاسرة، إنما وضعه ودوره، يوضع بين الأيادي الجاسرة، بإحتكارٍ محكمٍ على طريقة السماسرة ، حيث لا تكون ألاعيبهم خاسرة، ولتكون دوماً ياسِرَة وليست مُعسِرَة.

 

فيتشارك معهم ربائبهم في الداخل، ويترافقون معهم بكل المناهل، ويتلقون منهم التعليمات، وفي كل خطوة توجيهات، لا تحيد عنها القيادات، حتى لو إستمر التسويف لسنوات، وتمرير الوقت بات للمساومات، والتمثيل في المجلس النيابي  للمسرحيات، حيث لم يحضر بعد قرار الإنتخابات، ولأن صدوره يسلك درب العصابات، ومنفذيه يتوسمون المحاباة، لأخذ الرضا مع المناجاة، أن تستديم مناصبهم ومراكزهم بالذات، وألا يصلوا إلى الهلاك والمأساة.

 

هذه مشاهدٌ من مسرحيّة الإستحقاق الرئآسي، وهي تتم بفصولٍ متلاحقة، ولكل فصلٍ وجوهٌ متسابقة، على جلساتٍ إنتخابيّةٍ متبَدِّدة، ملعوبةٌ بإتقان وصوَرٍ مُتجدِّدة، وبتوجيهات المخرج المتفَرِّدة، لصدِّ الكتل المتمرِّدة، أو تسديد الأصوات المُتجرِّدَة، لتكون مع الجهة المُتوَعِّدة، ولتغلب الجهة المُتعنِّدة، ومع الفشل تظهر المواقف المُنَدِّدة، لحالات تطيير النِصاب المتعدِّدة، وهكذا دواليك تكون الرواية المتسَرِّدة.

 

وهكذا تكون تمريرات الأوقات الضائعة، بألوان التمثيل الفاقعة، وبالسمعة السيئة الذائعة، لتجربة لبنان الرائعة، على مدى عهود لامعة.

 

يقال في الأمثال: (تعددت الأسباب والموت واحد)، وهذه الحال التي تواجه لبنان واللبنانيين، ينظرون إلى التآكل والإنهيار ، وإلى تقويض حصن الدولة ومؤسساتها، وإلى التباغض والتباعد، وكأنهم في حفلٍ للتهريج، كلٌ منهم يغني على ليلاه، غير عابئين مما يتهددهم في الداخل، ومما يتوعدهم من المتربصين، رغم ما ينخر بهم من فالج، دونما إيجاد الحلِّ المعالج، ويتركون إتخاذ القرار للخارج، ليستمر الفشل الثنائي فيكمله الثلاثي والرباعي، إلى الخماسي، وحتى لو أضافوا له السداسي، فإن الطبخة لم تستوِ بعد، حيث تم إشغالهم في وليمة أخرى، وهي ليست ببعيدة المكان، إذ يمكن إستكمالها بترسيم الحدود البرية…

 

لذا عادت حليمة لعادتها القديمة، وعادت  طبخة لبنان لتتحرك من الداخل، حيث رست الحال إلى الإعتدال، وجالت على مراسي الأطلال، علهم يستخرجون الحل الحلال،  ممن أصابهم مرض الغرور والإعتلال.