Site icon IMLebanon

لا مكان لحوارات ثنائية أو لمبادرات: المحركات السياسية للثنائي مجمّدة

 

 

ما لم يعطه حزب الله أو الرئيس نبيه بري للموفد الأميركي عاموس هوكشتين والمبعوث الفرنسي جان إيف لودريان والمفوض القطري السامي «أبو فهد» ورئيس حزب التيار الوطني الحر جبران باسيل، لن يُعطى، ببساطة، للنائب سجيع عطية أو زميله محمد الخير. مع ذلك، كان ضرورياً تتبّع مصير مبادرة «تكتل الاعتدال» لتبيّن ما إذا كان ثمة خرق خارجيّ حقيقيّ يبحث عن إخراج داخليّ، وهو ما ظهر مع نعي المبادرة أنه لم يحصل بعد. فيما يؤكد أصحاب مبادرات سابقة أنه لن يحصل قريباً. وإذا كان التكتل نفسه قد أُنشئ منذ الأساس للعب هذا الدور المسرحي، فإن الفكرة الأساسية للمبادرة التي نُسّقت مع نافذين في «الخماسية»، كانت جمع توقيع 86 نائباً لفتح المجلس النيابي وانتخاب رئيس من دون قيد أو شرط. لكن الرئيس نبيه بري الذي دخل بكثير من الودّ على خط المبادرة، أغرق هذه الطموحات بحبه واحتضانه، فخرجت من سياق «الخماسية» التي كانت تبحث عن أداة للضغط، وتحوّلت إلى أداة أخرى من أدوات الرئيس بري لربح الوقت. وإذا كان رئيس المجلس يحتاج في سياق المناورة المفتوحة مع «الخماسية» إلى كل ما يُربحه وقتاً، يبدو حزب الله جازماً بعدم تقديم أي تنازل قبل الشروع في التفاوض الجدّي على الحل النهائي. ففي انتظار تسوية كبرى، كما في الاتفاق الرباعي عام 2005 واتفاق الدوحة عام 2008 ومصالحتَي معراب وعون – الحريري عام 2016، يحاول الفريق الغربي انتزاع تنازلات بلا ثمن من الثنائي هنا وهناك، تحت مسمّيات مختلفة. وهو ما يدركه الحزب وبري جيداً ويتحاشيانه. ففي ظل انشغال مجلس شورى الحزب بمجريات المعارك، لم يعد ممكناً للجنة المكلفة من الحزب بالحوار مع التيار الوطني الحر العودة إلى الشورى كما كانت تفعل، لذا جُمِّد هذا الحوار رغم ضرورته الرمزية في هذه المرحلة. وعلى خط بكركي، كان ثمة مسعى يقوده النائب إبراهيم كنعان لعشاء يجمع البطريرك المارونيّ بشارة الراعي ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد قبل استشهاد نجل الأخير. ورغم اتصال البطريرك معزياً، لم يُحدَّد موعد آخر للعشاء، قبل أن تجمّد لجنة الحوار بين بكركي والحزب أعمالها بدل أن تفعّل نفسها. ورغم الأجواء السلبية التي تصل يومياً منذ نحو عام إلى الضاحية من أماكن متفرقة (وليس فقط الرابية) بحثاً عن علاج، تعمل الماكينة العسكرية للحزب على أكمل وجه، وكذلك الماكينة الأمنية والإعلامية، فيما الماكينة السياسية مجمدة بالكامل، ليس فقط مع الأفرقاء المسيحيين، وإنما أيضاً مع «الاشتراكي»، ومع أفرقاء سنّة يقولون إن التنسيق السياسي مع الحزب كان سيسمح لهم بلعب دور أكبر في ظل الحرب الحالية، خصوصاً في صيدا وبيروت وطرابلس.

بعد بداية إيجابية للتواصل بين رئيسي حركة أمل والتيار الوطني الحر توقّف كلّ شيء فجأة

 

ولا يلتزم الحزب وحده بهذا التكتيك. فبعد التبادل الإيجابي للأسئلة والأجوبة بين رئيسي حركة أمل والتيار الوطني الحر، كان واضحاً لمن يتابع الاتصالات بينهما أنّ ثمة مساراً جديداً يمكن أن يُبنى، قد يكون حوار رئيس المجلس نقطة انطلاقه، قبل أن يتوقف كل شيء فجأة. ومع القوات اللبنانية، كان يمكن لرئيس المجلس ساعة يشاء أن يطوّر النقاش في أي بند، في ظل اعتراف جعجع بأن التفاهمات تحكم المرحلة المقبلة. لكن الواضح أن الثنائي يريد تفاهماً أولياً مع من يماثلهم في الحجم الإقليميّ لا مع جعجع. وتحضر في هذا السياق تجربة الرئيس ميشال عون، في 17 تشرين 2019، حين قال لفريق عمله بعد بضعة أيام من قطع الطرقات إنّ عليهم الحذر ممن ينصحهم ويتودّد إليهم ويظهر غيرته عليهم أكثر ممن يهدّدهم، لأنّ خصومهم سيوزّعون أنفسهم مجموعتين، إحداهما تمارس الترهيب والأخرى تتولّى الترغيب. وعلى المنوال نفسه، يقول حزب الله بطريقة غير مباشرة (أو غير معلنة) إنه لن يعطي خصومه بالسِّلم ما يعجزون عن أخذه بالحرب، وهو حين يتحدث عن خصوم لا يقصد الأفرقاء الداخليّين، بل أولئك الخارجيّين الذين يستفيدون من قلق الداخل وديناميكيّته والطروحات المختلفة. وإذا كان حل المشكلة اللبنانية يتطلّب كسراً دولياً للحصار الاقتصادي واستخراج الغاز ورفع القيود الأميركية عن حركة الأموال من المصارف اللبنانية وإليها وعودة المال الخليجيّ والقروض الخاصة بالبنية التحتية، فإن التنازلات المحلية المتبادلة يمكن أن تؤدي إلى انفراجات موضعية محدودة تهدّئ الجبهات الافتراضية الداخلية، ولكنها لا تحلّ أبداً أساس المشكلة، وهذا ما يفسّر – ربما – أداء الحزب: تطوير التفاهم غير المعلن (على عدد كبير من الملفات) بين حركة أمل والقوات اللبنانية يستلزم تنازلات من الثنائي يربح في مقابلها تهدئةً سياسيةً مؤقتةً على الجبهة الافتراضية مع القوات، ولكنّها لا تحلّ المشكلة الأساسية المتعلقة بالحصار المالي والسياسي. تماماً كما يمكن الحزب أن يهدّئ الجبهة الافتراضية مع التيار بمجموعة «تنازلات»، ولكن ذلك سيخسره بعض أوراق القوة من دون حلّ المشكلة الأساسية. والأمر نفسه ينطبق على «الاشتراكي». لذلك، إن الحديث عن «ثنائيات» أو حوارات أو أوراق مشتركة وغيره لا مكان له اليوم.