بين هبّة تفاؤلية وأخرى تشاؤمية، «يتمرجح» الملف الرئاسي على حبال المبادرات، الخارجية منها (اللجنة الخماسية)، والداخلية مع سطوع نجم مبادرة «الإعتدال الوطني». إذ يُسجّل لها أنها حرّكت الخمول اللاحق بانتخابات رئاسة الجمهورية. منذ تشكّلها، دأبت الكتلة على اتخاذ موقع وسطي في بلد الإصطفافات الحادّة. صحيح أنّ الرمادية تكتنف مواقف نوّابها أو بعضهم حيال المرشّحين الطامحين في الوصول إلى قصر بعبدا، إلا أنّ غموضها مكّنها من لعب دور الوسيط بين الكتل والقوى السياسية. وبغض النظر عن خواتيم مبادرتها ومدى قدرتها على تجاوز العراقيل المحليّة المنصوبة على طريقها، هل تتمكّن الكتلة (على تنوّعها الطائفي) من استنباط حالة سنيّة وسطية، لا سيّما وأن رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري، لا يُمانع في انتخاب مرشّح «محور الممانعة» الوزير السابق سليمان فرنجية، و»شَرحِه» بعض نوّاب «الإعتدال» الذين يُضمرون الصوت لرئيس «تيار المردة»؟
يرى بعض المراقبين والعارفين بحيثيات السّاحة السنّية وتفاعلاتها السياسية والشعبية، أن مصير تموضع «الإعتدال» يرتبط بنجاح مبادرتها من عدمه، في حين أنّ خريطة الطريق لأيّ تسوية رئاسية في لبنان، تبدأ بوقف الحرب في غزّة، وبدء تطبيق القرار الدولي 1701 والبحث عن مرشّح يُطمئن الفرقاء السياسيين جميعاً. خارج هذه «الممّرات الإلزامية» لا يُمكن الحديث عن إنفراجات رئاسية. كما أنّ مؤشّر توزيع أصوات النوّاب السنّة داخل المجلس النيابي، ينقسم بين حاضنتين (دار الافتاء والمملكة العربية السعودية) متناغمتين في آن حول الأزمة اللبنانية وكيفية علاجاتها، إضافة إلى وجود كتلة سنيّة مؤيّدة لـ»حزب الله» ومرشّحه.
كما لفتوا إلى أن تحرّك «الإعتدال الوطني» جرى إن صحّ القول بتشجيع وتحفيز سعوديّ، وبالتالي أي تموضع لهؤلاء النوّاب لن يكون بمعزل عن التوجّه السعودي من ناحية، وعن «البلوك» المسيحي العريض الرافض لانتخاب فرنجية، المتمثّل بـ»القوات اللبنانية»، «التيار الوطنيّ الحرّ»، «الكتائب»، «تجدّد» وبعض النوّاب المستقلّين والمدعومين من بكركي.
في السياق، تشدّد مصادر سنيّة، على أن الأكثرية الساحقة لدى الرأي العام السنّي غير وسطية، إذ يعتبر أنّ «حزب الله» (وخلفه إيران) في خانة «الخصم»، وأنه رغم «ربط النزاع» الذي أسّس له سعد الحريري عندما كان رئيساً للحكومة، لم ينجح في تحقيق «التعايش» السنّي مع سلاح «الحزب» الذي يتحمّل بشكل كبير، أسباب إنهيار مؤسسات الدولة وضرب أسس الحياة البرلمانية وأبسط قواعدها الدستورية عبر التعطيل، إضافة إلى عرقلة التحقيق في قضية مرفأ بيروت، وغيرها من المسائل المعقّدة والمرتبطة بالواقع الإسلامي الإقليمي، كلّها عوامل لا تُحفّز على دفع السنّة نحو «الوسط»، ما لم تُعالج هذه الإشكاليات، حيث يتضرّر منها غالبية اللبنانيين الرافضين للمحور الإيراني. وتستطرد أنّه رغم عملية «طوفان الأقصى» وما تبعها من وحشية إسرائيلية غير مسبوقة على غزّة، لم تُبدّل من توجّهات أهل السنّة (بمعظمهم) ومواقفهم تجاه هذا المحور. هذه الخلفيات، لا يُمكن لـ»الإعتدال» التغاضي عنها أو عدم أخذها في الحسبان الرئاسي.
بالعودة إلى الكتلة وديناميكيتها الرئاسية، أكّدت مصادرها أنّ «المبادرة لم تسقط»، بل تقوم على مرحلتين أساسيتين. الأولى تتعلقّ بمضمون المبادرة ولاقت قبولاً برلمانيّاً عريضاً حيث أيدها أكثر من 100 نائب، بانتظار «جواب رسمي» وواضح من «حزب الله»، وبناءً عليه تنطلق المرحلة الثانية، وترتكز إلى نقطتين: الشكل والتوقيت. أي مكان انعقاد الجلسة داخل البرلمان وترؤّس إدارتها، إضافة إلى معرفة عدد أسماء المرشّحين، على أن تلتقي الكتلة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي السبت المقبل، وتستكمل جولاتها على القوى السياسية المعنيّة.
وحول مواقف «حزب الله» الأخيرة التي عبّر عنها نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم مؤكّداً تمسّكه بترشيح فرنجية، ترى أوساط «الإعتدال» أنه من الطبيعي أن تتشدّد الأطراف بمرشحيها على قاعدة «رفع السقوف لتحسين الشروط»، إلى حين إنضاج الطبخة الرئاسية. وختمت المصادر، كاشفة أنّ «اللجنة الخماسية» بصدد إصار بيان تتبنى فيه المبادرة والولوج في بحث الآليات قبل الدخول بالأسماء والمواصفات الرئاسية.