بغية منح كتلة الاعتدال الوطني زخماً ثقيلاً في المستحيل الذي تذهب اليه، شاع ان مهمتهم تحظى بدعم سفراء الدول الخمس، كما لو ان هؤلاء عرّابو انتخاب رئيس يتعذّر يوماً بعد يوم، معهم ومع سواهم، الوصول اليه. بات السفراء الخمسة اكثر من سواهم يحتاجون الى مَن يدعمهم
أفضل ما صار يمكن ان يُنعت به سفراء الدول الخمس المهتمة بانتخاب رئيس للجمهورية تلبْننها. على صورة البلد الذي تتوسط بين افرقائه وتنيط بنفسها مهمة تعجيزية لا يريدها هؤلاء، ولا هي قادرة على الاستقلال بها وختمها. على صورته اضحت منقسمة على نفسها. كلٌ من سفرائها، الاميركية والفرنسي والسعودي والمصري والقطري، يتكلم لغته في مقاربة انتخاب الرئيس، دونما تمكّنه من التقاطع مع زملائه سوى على عناوين واحدة يصعب فكّ ألغازها، ولا تفضي حتماً الى وصول رئيس للبنان هي المواصفات المثالية لمرشح يصلح لأن يقبل به اللبنانيون جميعاً. لغات السفراء هؤلاء حملوها الى اجتماعهم برئيس البرلمان نبيه برّي في المرة الاخيرة في 30 كانون الثاني الفائت. في ذلك الاجتماع الذي استمر ساعة، تحدّث السفراء العرب الثلاثة بلغتهم الأم العربية، والاميركية بلغتها الأم، وكذلك الفرنسي. آخر المتكلمين كانت السفيرة ليزا جونسون مخاطبة رئيس المجلس: «لا اعرف ماذا تكلم زملائي، لكننا متفقون على ان لا نسمّي مرشحاً محدداً لرئاسة الجمهورية، وان نكتفي بتحديد المواصفات ونترك للبنانيين ان ينتخبوا من تلقائهم رئيساً، ولا نتدخّل في شأن داخلي». المعلوم ان جونسون لا تلمّ بالعربية، وهيرفيه ماغرو بالكاد يفك حروفها. اما برّي، ففهم على الجميع ما كان يتوقع ان يدلوا به امامه، لذا لم يصعب فهم كلامه مرة بعد اخرى بعد اجتماع 30 كانون الثاني كما من قبل اجتماع السفراء في السفارة السعودية في 25 كانون الثاني ثم اجتماعهم في السفارة القطرية قبل ايام في 7 آذار، انهم في حاجة الى مَن يصلح ما بينهم من فرط تباين آرائهم.
ردّه كان اكثر وضوحاً، وفي الوقت نفسه اكثر استعصاء، في الواقع، في العثور على مَن تنطبق عليه مواصفات كالتي اورد، عاكساً وجهة نظره في شروط خمسة للرئيس المقبل هي:
«- ان يكون مقبولاً من المسيحيين.
– ان يكون مقبولاً من الموارنة.
– ان لا يطعن المقاومة في ظهرها.
– ان يكون ذا علاقات عربية تساعد على استجلاب استثمارات الى لبنان وانهاض اقتصاده.
– ان يكون ذا علاقات دولية تساعد على ضمان سيادة لبنان».
حدد رئيس المجلس المواصفات هذه بينما يتمسك وحزب الله بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
اكد المجتمعون بمَن فيهم برّي الرغبة العاجلة في الوصول الى انتخاب رئيس، دونما ان تنشأ بينهم لغة واحدة مشتركة تقود بالفعل الى الاستحقاق الدستوري وتنجزه اخيراً. معضلة الدول الخمس كمعضلة الكتل النيابية اللبنانية العاجزة عن التوافق على تصوّر موحد لمرشح يصلح لأن يقود المرحلة المقبلة، وفي الوقت ذاته عجْز كل من الاصطفافين القائمين منذ الجلسة الاولى في ايلول 2022 حتى الجلسة الاخيرة في حزيران 2023 عن فرض انتخاب مرشح كل منهما.
على صورة الكتل النيابية ايضاً وذينك الاصطفافين، ليس اي من الدول الخمس موصوفاً بالتجرّد والنزاهة في مقاربة انتخاب الرئيس، او تحديد مواصفات ليس معنياً بجانب او اكثر فيها. ذلك ما فسّر في مراحل سابقة منذ الشغور الرئاسي الى الآن امتناع الاميركيين والسعوديين عن تسمية مرشح او الايحاء بأحد ما، لكنهما كانا قاطعيْن في رفض مرشح محسوب على حزب الله. القطريون اظهروا انهم اكثر اهتماماً مذ ان خرجوا على قواعد الاجتماع الاول في باريس العام المنصرم بأن باشروا طرح اسماء في محاولة لاستعادة تجربتهم كما في انتخاب الرئيس عام 2008، سعياً الى دور متقدم في لبنان. الفرنسيون سمّوا في ما مضى رئيس تيار المردة ثم تراجعوا عنه، وراحوا اخيراً يتحدثون عن «مرشح ثالث» متلاقين مع قطر على نحو يستبدل الاسماء المتداولة باخرى غير مستهلكة بعد. الحجة المتذرّع بها ان المرشحين المعلنين منذ ما قبل جلسة 14 حزيران ثم ما بعدها احالتهم مرشحيْ افرقاء يصعب التوافق على اي منهم.جونسون تعوّل على ممارسة ضغوط على النواب لفرض انتخاب رئيس
ليس ذلك فحسب ما يتباين من حوله السفراء الخمسة. يختلفون كذلك على الدور المعطى الى الموفد الفرنسي الخاص جان ايف لودريان. ما تقوله السفيرة الاميركية امام محدّثيها اللبنانيين امران مهمان:
اولهما، تعويلها على ممارسة ضغوط على النواب اللبنانيين المختلفين في ما بينهم على انتخاب الرئيس وتعطيل الاستحقاق، دونما ان تحدد الوسيلة التي يمكن الضغوط هذه ارغام النواب على الذهاب الى انتخاب الرئيس.
ثانيهما، تحفّظها عن زيارة يتردد ان لودريان يعتزم القيام بها لبيروت في سياق مهمته التوفيق بين الافرقاء اللبنانيين على انتخاب الرئيس. حجة جونسون ان مهمة الموفد الفرنسي منوطة حالياً بالسفراء الخمسة الذين يتحركون جماعياً وفرادى في نطاق دورهم، قبل ان تضيف وهي تمنح فرصة تلو اخرى لنفسها ولزملائها: «اذا فشلنا في المطلوب منا نستعين بمديرينا»، في اشارة الى الموفد الفرنسي الخاص ونظرائه في الدول الاربع الاخرى.