Site icon IMLebanon

الرئاسة والجنوب: مسار الحلول طويل

 

 

كل الملفات الداخلية معطلة او مؤجلة او مَحجور عليها في قفص العبث السياسي، ولا يوجد ما يشجّع على تَوقّع إيجابيات حول أيّ منها.

الملف الرئاسي في الإقامة الجبريّة تحت سلّم الأولويات والإهتمامات. كل مكونات العبث السياسي والرئاسي على يقين بأن لا رئيس ولا مَن يحزنون لا في المدى الحالي او المدى المنظور، وحتى في المدى البعيد. وكل ما يحيط بهذا الملف يؤكد بما لا يرقى اليه الشك أن لا قرار جدياً سواء من الداخل او من الخارج بانتشاله من هذا القعر، ووضعه على سكة الانتخاب. يُزاد على ذلك انّ ثمة مَن بات يشكّك بوجود ارادات خبيثة باستمرار الحالة الشاذة التي بات فيها موقع رئاسة الجمهورية خارج معادلة الحكم والنظام.

الحراكات الداخلية مغامرة فاشلة في لعبة كلمات متقاطعة فقط على كلّ ما يعمّق الشرخ والتعطيل. وفي أحسن حالاتها، رغم صدق نوايا القائمين بها، تتحوّل الى جولات علاقات عامة وعَشاوات وغَداوات.
والحراكات الخارجية، تتحرك بالجملة والمفرّق، (كما هو حال اللجنة الخماسية)، ميزتها عن غيرها انّها تُحاط بهالة كبيرة وفق حجم وهيبة دولها، فيما هي في جوهرها لا تغير في حقيقة انها لم تصل الى ايّ نتيجة يمكن ان تحسب لها على مدى صولاتها وجولاتها واجتماعاتها في دولها وخارجها إن على المستوى الوزاري أو على مستوى السفراء.
نقطة ضعف حراكات الخارج، وهذا ما تم إبلاغه الى القائمين بها بصورة مباشرة، هي الاكتفاء برسم خريطة طريق الحلّ، واجترار ذات التعابير والمفردات المستعملة في حثّ اللبنانيين على الحوار والتوافق والتعجيل بانتخاب الرئيس. ولكن في نهاية الأمر، تقف هذه الحراكات امام باب هذا الحل ولا تفتحه، برغم علمها الأكيد أنّ في مقدورها أن تمون على اصدقائها سياسيا وتمويليا، وتلزمهم بالانخراط بالحل والتوافق حتى ولو كانوا رافضين، ولا يتطلب ذلك اكثر من اتصال هاتفي، او حتى رسالة على الواتساب.
في الخلاصة، جرّب القطريون أن يُحدثوا خرقاً وما زالوا يحاولون. حاول الفرنسيون أن يقودوا حلا سريعا فلم يَرق ذلك للأميركيين الذين كانوا صريحين في رفضهم تفرّد أيّ طرف في معالجة ملف يعنيهم بالدرجة الأولى. والأميركيون ليسوا مستعجلين، وفي إمكان الملف الرئاسي ان ينتظر الى ما بعد جلاء صورة ما سترسو عليه التطورات الحربية المتسارعة من غزة الى جنوب لبنان. ومعنى ذلك، أن الرئاسة في لبنان ثابتة مكانها خارج إطار المقاربات الجديّة، او بمعنى أدق خارج دائرة الحلّ الى ان يقضي الله امراً كان مفعولا. وحتى ذلك الحين – إذا ما حان – ما على مكوّنات الإنقسام الداخلي في هذه الحالة سوى أن تتسلى ببعضها البعض وتملأ هذا الفراغ بسجالات ومناكفات ومزايدات فارغة.

هذا الانسداد الكلي في الملف الرئاسي، يُقابله انسداد أخطر في الملف الأمني. ولا أحد من اللاعبين على هذه الحلبة يملك صورة ولو تقريبية لمرحلة ما بعد غزة، او للمدى الزمني الفاصل عنها.
على خط الجهود الرامية الى بلوغ هدنة طويلة الأمد في غزة، تعقيدات وتعثّرات تؤشر إلى أن مسارها طويل، ومهدّد بسيناريوهات دراماتيكية واحتمالات لا حصر لها. واما على الخط اللبناني فموفَد جايي وموفَد رايح، والهدف بلورة ما يسمّونه حلا سياسيا يواكب او يَلي وقف العمليات الحربية في غزة. ومحطّة اللقاء الأساسيّة عند الرئيس نبيه بري، الذي يؤدّي في هذه الفترة دوراً، ربّما يفوق في صعوبته، الدور الذي أدّاه خلال حرب تموز في العام 2006، حينما تصدّر المقاومة الديبلوماسيّة على جبهات دوليّة متعدّدة.
الطروحات التي نقلها الموفدون، تَجنّبت ذكر الشرط الاسرائيلي بانسحاب «حزب الله» الى شمال الليطاني، بل رَمت الى بلوغ حلّ سياسي غايته طمأنة المستوطنين «المهجرين» في الداخل الاسرائيلي وتمكينهم من العودة الى مستوطنات الشمال والعيش فيها بسلام وأمان. وفي الطريق عودة سكان الجنوب الى بلداتهم. وهذا الحل كما يطرحونه يُناقض الدعوات الدولية الواسعة لتطبيق القرار 1701، حيث يلحظ هذا الحل تطبيقا مجتزأ لهذا القرار، يبقي مصير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والجزء الشمالي من بلدة الغجر محتلة مُعلّقاً الى مراحل لاحقة. وبمعنى اوضح إبقاؤها تحت الاحتلال. وخَلا من أي اشارة حول إلزام اسرائيل بتطبيق هذا القرار ووقف خروقاتها واعتداءاتها.

قيل للموفدين ما مفاده: «أيّ طرح لا يلحظ انسحاب اسرائيل من الاراضي اللبنانية المحتلة، وإلزامها بالتطبيق الكامل والحرفي للقرار 1701 لا يتمتع بأي فرصة للحياة». وسبق للرئيس بري أن لخّص موقف لبنان في هذا المجال، وحرفيته: لدينا القرار 1701، نحن ملتزمون به جملة وتفصيلا وتطبيقا بكل مندرجاته، وإن حاولت اسرائيل أن تشنّ عدوانا على لبنان، فجميعنا سنكون في موقعنا الطبيعي لمقاومة العدو والدفاع عن وطننا».
لم يتمكن الموفدون من تمرير طروحاتهم، والكلام المعسول الذي أبداه بعضهم حول الحرص على لبنان وأمنه واستقراره وأولوية تجنيبه الانزلاق الى حرب، وكذلك حول الايحاء بأنّ جهودهم مركّزة على حلّ لمصلحة جميع الاطراف، لم يغيّر في صلابة الموقف في الجانب اللبناني. الرئيس بري قال بشمولية تطبيق القرار 1701، وليس تطبيقه على مراحل… وخَلص الى الموقف الحاسم بقوله «ما في قوة بالعالم بتخلّيني إقبَل بأي طرح فيه إنّ».
هنا يبدو وجه الشبه مُطابقاً بين الأمس واليوم، حيث ان الذاكرة تشهد كم عانى دايفيد ولش من صلابة بري في فترة اعداد القرار 1701، في مواجهته لمحاولات ولش فَرض صيغة قرار لمصلحة اسرائيل يُربحها في السياسة ما لم تتمكن من الحصول عليه في الحرب. قال بري لولش آنذاك ما حرفيته: «أنت كوافير جيّد وتعرف كيف تضع الماكياج، ولكنك الآن تضعه لامرأة بشعة للغاية… ما تطرحه لا يمكن لنا أن نقبل به». وفي النهاية تراجعَ ولش وصدر القرار بالشكل الذي صدر فيه.

في الخلاصة، الملف الرئاسي مجمّد في براد الانتظار، والملف الجنوبي مرتبط ارتباطا وثيقا بغزة، ومسار الحلول والانفراجات يخشى مسؤول كبير أن يكون طويلاً… وطويلاً جداً.